سوريات من خلف الأسوار وغرف السجون إلى سجن المجتمع
دورة تدريبية من ضمن نشاطات منظمة بارقة أمل لسيدات سبق اعتقالهن
خرجت من سجون النظام السوري. حين أبصرت ضوء الشمس اعتقدت انها عادت إلى الحياة من جديد. لكنها وجدت نفسها في قائمة المتهمات أمام المجتمع. وجدت صعوبة كبيرة في العودة إلى حياتها الاجتماعية العادية. كانت عرضة للنظرة السلبية من المحيط المقرب.
سناء سناء (٣٥ عاما) من حماة٬ تعمل كممرضة٬ هي إحدى المعتقلات السابقات في سوريا اللواتي كانت ضحية أثناء فترة الاعتقال وبعد الخروج من السجن. تقول سناء لحكايات سوريا بدموع غزيرة تختصر معاناتها الكبيرة: “بتاريخ ١٠ أيار/مايو ٢٠١٤ ٬ تم اعتقالي من مكان عملي بتهمة التواطؤ مع الإرهابيين. يومها بدأت رحلة العذاب والقهر والذل. تنقلت بين عدة أفرع أمنية، وخرجت بعد سنة ونصف، وكنت في ذلك الوقت مصابة بأزمة نفسية واكتئاب دائم”.
هاجس الاعتقال ظل يلاحقها في الليل والنهار. فانتقلت للعيش مع أسرتها في المناطق المحررة، وفيها تابعت عملها بالتمريض.
عائشة (٢٤ عاما) من معرة النعمان تروي رحلتها مع العذاب وتقول: “ذهبت إلى دمشق لعلاج ولدي وائل من مرض السرطان كان في الثالثة من وتم اعتقالي يومها على أحد الحواجز العسكرية بقي وائل مع والدتي، واقتادوني إلى سجن عدرا المركزي. هناك تشاركت مع ١٥ معتقلة حجرة صغيرة مظلمة وشديدة الرطوبة”.
تضيف عائشة بعد نفس عميق: “أثناء التحقيق معي كنت أتعرض للتعذيب الجسدي من ضرب ونزع للأظافر والصعق بالكهرباء، ناهيك عن التعذيب النفسي دون رحمة. بعد خروجي من السجن لم تنته معاناتي بسبب المجتمع الذي لا يرحم، وينظر إلى المعتقلة السابقة على أنها عاهرة ووصمة عار دنست شرف العائلة، في حين ينظر للرجل بعد خروجه من المعتقل على أنه بطل من الأبطال”.
عائشة خسرت ابنها وائل وهي في المعتق توفي نتيجة المرض. طلقها زوجها بعد خروجها من المعتقل، وحرمها منولديها الآخرين. خسارتها وائل وحرمانها من أخويه كان وقعه أصعب عليها من ظلام السجن وعذابه بحسب ما قالت. أم وليد من مدينة إدلب تروي لحكايات سوريا قصة ابنتها المعتقلة بقولها: “لا نستطيع أن ننظر للآخرين أو نرد على استفساراتهم بشأن ابنتي المعتقلة. تراودني أسئلة عديدة. هي حية أو ميتة، هل ستخرج من سجنها يوما؟ بأي حال ستكون عند خروجها؟” من سجون نطام مستبد لا يخاف الله، ويفتقد كل معاني الأخلاق والإنسانية”.
المرشدة النفسية عبير الصوراني من معرة النعمان تتحدث عن معاناة المعتقلات النفسية بقولها: “اعتقال النظام السوري للفتيات والنساء وتهديدهن بشكل دائم بالتعذيب والاغتصاب هو انتقام من الشعب السوري المعارض برمته. إن تداعيات الاعتقال تؤثر على النساء بشكل خاص، مما يتسبب لهن بعزلة اجتماعية، كما يخشين عادة الحديث عما جرى معهن أو الإفصاح عن الانتهاكات التي تعرضن لها من قبل السجانين”.
وتؤكد الصوراني أن الناجيات يحتجن إلى خدمات نفسية واجتماعية ومهنية وصحية، إلى جانب الحاجة للشعور بالمؤازرة والدعم والتقبل من المجتمع المحيط، للبدء بحياة جديدة، وتجاوز ما مررن به من مشاهد مؤلمة. كما يستوجب الأمر إشعارهن بالأمان مع تجنب إلقاء اللوم عليهن أو تأنيبهن”.
حاولت بعض الناجيات من الاعتقال، تخطي تجربة خذلان محيطهن وتخليه عنهن بعد الخروج من المعتقل، من خلال الانخراط في الأنشطة الاجتماعية أو العودة إلى العمل. وتأتي هذه الخطوة لتجاوز أو تقليل الألم النفسي الذي يشعرن به كنتيجة للمرور بتلك التجربة .
فاطمة الصالح من ريف إدلب تعرضت للاعتقال أثناء ذهابها إلى الجامعة في حماة. تقول فاطمة لـ “حكايات سوريا”: “ثلاثة أشهر من الاعتقال كانت كفيلة بتدمير حياتي ومستقبلي. وبعد الخروج من السجن الصغير انتقلت إلى السجن الكبير. بقيت حبيسة غرفتي وذكرياتي المؤلمة لأكثر من سنة، لكنني قررت بعدها الخروج إلى الحياة، بدعم من والدتي التي وقفت إلى جانبي دون أن تهتم لكلام الناس”.
تابعت فاطمة دراستها في جامعة إدلب، وهي اليوم تعطي في منزلها دروس التقوية للطلاب المقصرين في دراستهم، لتثبت لنفسها وللآخرين بأنها قادرة على الصمود والتحدي .
من هنا جاءت فكرة تأسيس منظمة بارقة أملالنسائية (هل من صفحة أو موقع للمنظمة؟) وتقول سوسن السعيد عضو مجلس الإدارة في المنظمة: “نحاول دمج المعتقلات السابقات في المجتمع وبناء جسور من الثقة والتواصل مع الآخرين، وتقديم الدعم النفسي من خلال جلسات البوح بما تختزنه الذاكرة من قصص، وزرع التقدير والإكبار في نفوسهن. وإشراكهن ضمن فريق العمل التابع للمنظمة”.
وتعتبر السعيد “ان العادات والتقاليد تخلق حاجزا بين الناجيات من المعتقلات والمجتمع الذي يحملهن مسؤولية الذنب الذي ارتكب بحقهن”.
وتضيف السعيد “الاعتقال هو انتهاك للإنسانية وتجربة مريرة لا يمكن نسيانها. لذلك يجب على المجتمع أن يحترم كل سيدة مرت بهذه التجربة بما فيها من تفاصيل مؤلمة “.
تغص السجون في سوريا بالنساء اللواتي يتعرضن لأصناف من الإهانة والشتائم والضرب والتعذيب الوحشي الممنهج، وأمهات أبص أطفالهن الحياة للمرة الأولى داخل ظلام الزنزانات الموحشة، ليكمل المجتمع هذا الانتهاك برفضه لهن ومحاصرتهن بنظرات اللوم والشك.