رمضان في دمشق: حيث يصعب تمييز مدفع الإفطار عن المدافع الأخرى
راحيل إبراهيم*
يشرف شهر رمضان في دمشق على نهايته في ظل أجواء يسودها الحزن والقلق، يحاول الدمشقيون أن يتغلبوا عليها.
في حي أبو رمانة الأكثر ترفاً من بين أحياء دمشق، النوافذ مغلقة على الدوام، وليس من شأن العابر أن يتعرف على ما تخبئه الأبواب، ولكن عز الدين (60 عاماً)، وهو من سكّان الحيّ الأصليين، يرحبّ بمراسلة “دماسكوس بيورو” ويدعوها إلى الإفطار، ويقول: “لم تتغير وجبات إفطارنا ما بين رمضان الحرب ورمضان الحياة العادية، ولكننا لم نعد نشعر بالأمان، ولا بفرحة تجمع العائلة، فعلى الدوام باتت نصف عائلاتنا مهاجرة خارج البلاد، ولدي وأطفاله هاجروا إلى فرنسا، وابنتي الوحيدة هي اليوم في كندا هرباً من الأحداث”.
ويشير عزالدين إلى أن زوجته أم سامر (55عاماً) “ما زالت تعدّ وجبات الإفطار كما كنا عائلة كبيرة، وما زالت تضع فوق المائدة عدداً من الصحون بعدد أفراد العائلة وكأنهم يقفون عند الباب، بات لديها ما يشبه الهلوسة، وحين نجلس إلى المائدة، نجدنا أمام صحنين اثنين فقط، صحنان لا نتناول منهما إلا ما هو ضروري لبقائنا على قيد الحياة ثم نعود كل إلى صمته”.
من بيئة إلى أخرى يختلف الإفطار الرمضاني، في حديقة باب توما ثلاث عائلات نزحت من داريا. ينتظر أفراد العائلات مدفع الإفطار، ولكنهم لا يميزون بين صوته وصوت رشقات المدافع التي تنهمر على الريف الشرقي من دمشق، وحين يتأكدون من أن الوقت بات وقت الإفطار سيكون صحن الفول هو ملك المائدة، ومعه شيء من المخلل، وطبخة صغيرة جداً أعدت على عجل، وفوق “بوتوغاز” قلق، لا يمكن الرهان أنه يمكن أن يستكمل طبخة صغيرة تحوي على كيلو بندورة وبعضاً من حبّات بيض الدجاج. ومن بعدها سيكون على العائلة أن تطعم الأطفال أولاً، ثم تبدأ بالإفطار ومعه دعاء متصل. تقول أم رجاء (45عاماً)، في دعائها: “يارب هدّئ الخواطر وأوقف كل هذا الموت عنّا، يارب أعدنا إلى بيوتنا، يارب أعد الغيّاب سالمين، يارب”. ما إن تفرغ من الدعاء حتى ينبهها زوجها الخمسيني أن تدعو أيضاً أن يبعد عنهم عيون الدسّاسين والكارهين والمخبرين.
في الحديقة المقابلة، مطابخ صغيرة تتوزع ما بين عائلات وقد شرّدت بكاملها، واجتمعت على مائدة واحدة، وعائلات تناثرت ومن بقي منها ينضم إلى عائلة أخرى وكأنها عائلته. المارون من جانب سور الحديقة اعتادوا مشهد المطابخ المكشوفة، باتوا مجرد عابرين لا مبالين.
في مدينة جرمانا، يقيم المسلم، المسيحي، الدرزي، العلوي، وحتى الأزيدي، ولكل من هؤلاء حياته التي يحلو له أن يعيشها كما يشاء.عائلة سراقبي تجلس بمجموع أفرادها في حيّ الروضة بانتظار مدفع رمضان، في الشارع نفسه يوجد مطعم النبيل الذي لم يتوقف عن تقديم المشروبات الكحولية لأصحاب المزاج، وعلى بعد خطوتين منهما، تقيم سيدة عراقية تدعى أم أمير(35 عاماً)، وقد سكنت جرمانا ما بعد مقتل زوجها، تجدها، وقد استنفرت لإعداد فطور رمضان، ليس هذا فحسب بل واستنفرت لكي تدعو جارتها إلى الإفطار كل يوم، وهي تفعل ذلك، اعتقادا منها، بأن إطعام صائم سيريح روح زوجها في آخرته، وحين تصارحها جارتها بأنها غير صائمة، لا تبالي أم أمير ، ولكنها تلحّ على جارتها أن تتناول صحناً إضافياً من المرق العراقي.
في سوق الميدان الدمشقي مناخ مغاير، فالناس لا تأتي للتبضع والشراء فحسب إنما تجد في ازدحام السوق مبعثاً للطمأنينة إلى نجاتهم وإلى استمرار الحياة.
أبو سيف وهو الحلواني العتيق (38 عاماً)، يعمل في صناعة الحلويات منذ 15 عاماً، وبات ركنا من أركان السوق الدمشقي، يقدم من عام إلى عام حلواه من البقلاوة والشعيبيات، ومعه تدور المهنة جيلاً بعد جيل فيرثها الأبناء عن الآباء لتؤول إلى الأحفاد.
يقول أبوسيف: “سوق الميدان يعج دائما بالناس، لانها تجد فيه كل احتياجاتها، من الحلويات والخضار واللحمة”.
الميداني أبو نزيه (42عاماً)، وسمي الميداني نسبة إلى السوق الذي لم يغادره يوماً، هو يسقي الناس شراب العرقسوس منذ 10 سنوات، أتقن أسرار الصنعة أباً عن جدّ ومعها أتقن الدعاء لشاريها.
ارتفاع الأسعار في السوق لا تحول دون تبضع الناس والشراء من أكثر الأسواق عراقة وتأصلاً في ذاكرة السوريين وطقوسهم الرمضانية….
ولكن هذه السوق، كما غيرها، لم تعد تشهد حركة ليلية كما في السابق. غابت الخيام الرمضانية حيث كانت العائلات تخرج لترفه عن نفسها. لم تعد النرجيلة رفيقة السهرات في المقاهي حتى قبيل الفجر، لم يعد لشهر رمضان بهجته التي اعتادها الصائمون بعد الإفطار، لم يعد الناس يتأخرون في الشوارع. في مدينة جرمانا في الريف الدمشقي وهي من المناطق الآمنة تبقي بعض المحال التجارية أبوابها مفتوحة حتى منتصف الليل، فتسجل بعض الحركة الخجولة مقارنة بمناطق أخرى حيث من الصعب تسجيل حركة بعد الساعة العاشرة ليلاً كما في باب توما مثلاً. يفضل من أمضى نهاره صائماً أن يتجنب الخروج لأسباب أمنية، وتحديداً بسبب التخوف من قصف عشوائي أو انفجار أو بسبب الاشتباكات المتقطعة ليلاً في المناطق القريبة من المواجهات العسكرية.
وللحديث عن أجواء إفطارات رمضان وسحوره علاقة كبيرة بالأسعار فهي مضاعفة في كلّ الأمكنة، قبل رمضان وبعده، بعد أن قفز سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية. وأصبحت أشياء كثيرة تعد من الكماليات بالنسبة للسوري، مثل قطعة حلوى لطفل، أو علبة مشروب غازي.
الأسعار وبالليرة السورية مضاعفة وهي غير ثابتة والأمثلة كثيرة ومنها ما يتصل بضرورات الطبق اليومي فكيلو البندورة الواحد أصبح بـ 45 ليرة سعره كسعر كيلو الخيار أما الباذنجان فسعر الكيلو الواحد 55 ليرة. أما أسعار الفاكهة فليست أقل من 50 ليرة سورية وهو سعر كيلو البطيخ الأصفر أما العنب فيصل سعره إلى 140 ليرة.
* راحيل إبراهيم هو اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا