رغيف الخبز يعود إلى المناطق المحررة

لم يعد من أحد ينتظر أمام فرن كفرنبل الشهير ليأخذ الخبز الطازج هذه الأيام. الفرن الذي كان يغطي احتياجات المنطقة بالكامل من مادة الخبز الأساسية، بدا مقفراً إلّا من بعض العمال. في حين تعج افران الجمعيات الخيرية المنتشرة حديثا في كفرنبل بالعمال والمواد، والمستهلكين القادمين من مناطق مختلفة يصطفون أمامها.

بسام (56 عاماً) أحد العمال السابقين في فرن كفرنبل الكبير، “الذي  كان يخبز في اليوم 27 طنّاً من الطحين” كما يقول بسام  “بعد دخول أفراد من جبهة النصرة إلى الفرن عام 2013، استهدفته قوات النظام بالبراميل المتفجرة، وتوقف دعم النظام للفرن بالطحين والمازوت، وتوقفت أيضا رواتبنا، فلم نعد نتقاضاها من النظام” ويضيف بسام “حاولت جبهة النصرة  إعادة الفرن للحياة، لكن إنتاجه انخفض كثيراً عن السابق، بسبب ضعف جودة الخبز المنتج وأسباب أخرى تتعلق بعدم توفر المواد الأوليه للفرن بشكل كاف”.

أيهم (15 عاماً) ترتيبه العاشر بين إخوته، في أسرة يبلغ عدد  أفرادها 14 شخصاً، يعمل والده في الزراعة، لكنها مهنة لا تكفي مصروف عائلته الكبيره. لذلك اعتاد أن يحصل على الخبز مجاناً من أحد المراكز التابعه لفرن جمعية سداد الخيرية.

عائلة أيهم ليست الوحيدة التي تحصل على الخبز مجاناً هذه الأيام في كفرنبل وما حولها. مدير فرن سداد الذي فضّل عدم ذكر إسمه يقول أنه تم تسجيل أسماء العائلات الفقيرة والأرامل، لمنحهم الخبز مجاناً وبشكل يومي. ويبلغ سعر ربطة الخبز 60 ليرة سورية، وهو سعر تنافسي في ظل أزمة المازوت  المستمرة منذ شهر ونصف.

من داخل أحد أفران كفرنبل تصوير مها رباح

مدير فرن الهدى التابع لجمعية الهدى الخيرية في كفرنبل علي (47 عاماً) يقول أنه يتم الحصول على المواد الأولية من طحين ومازوت مجاناً، من حساب جمعية سداد، أما عائدات أسعار الخبز فتدفع بدل رواتب للعمال. ومن المعروف أن جمعية الرحمة العالمية تدعم جميع الأفران في المنطقة بالطحين حين الحاجة، حيث يتم التعاون بين الجمعيات أحياناً. في حين تقف بعض المجالس المحلية عاجزة عن القيام بأي دور في هذا المجال لعدم وجود دعم مالي أو قدرة حقيقية على تسيير وإدارة الأفران أو المطاحن.

يعمل رضا (31 عاماً) في أحد الأفران التي تحظى بدعم جمعية سداد، وهو يعبر عن سروره بالعمل الجديد بعدما فقد الأمل بالحصول على فرصة عمل أخرى، وهو فخور كونه يساهم بتوفير مادة الخبز الأساسية لأهالي منطقته. يوضح رضا أن عمله في الفرن يبدأ عند التاسعة مساءً وينتهي في السادسة صباحاً، ومرتبه الشهري يبلغ 20 ألف ليرة سورية.  يشير رضا إلى وجود 6 أفران في كفرنبل وحدها بما فيها فرن النظام ومنها : فرن جمعية الهدى، وينتج 6500 ربطة خبز في اليوم،  ومخبز هيئة الشام الإسلامية وينتج 4 آلاف ربطة خبز يومياً، وفرن جمعية سداد.

تجدر الإشارة إلى أن وزن ربطة الخبز انخفض حاليا عن وزنها سابقا، كما أنها تحتوي اليوم 12 رغيفاً بدلاً من 16 رغيفاً كما كانت الحال قبل الحرب.

ماهر (40 عاماً) يعمل  سائقاً لدى فرن هيئة الشام الإسلامية، وهو فرن ضخم يتألف من ثلاث طوابق. ينقل ماهر الخبز كل صباح إلى المناطق المجاوره لكفرنبل بالسيارة. ويلفت ماهر إلى أن مدينته كفرنبل تعتبر المصدر الرئيسي للخبز لقرى جبل  شحشبو الغربية، وسهل الغاب وبعض القرى المجاوره لكفرنبل، مثل بسقلا، حزارين، جدار معرة مومقص، جبالا وغيرها. وكان لبعض القرى المجاوره ومنها معرة النعمان حظها من هذه الأفران الخيرية أيضاً، ومنها قرى معرة ماتر، حيش، حاس، الباره، سفوهنن فرعويد. هذا بالاضافه لبعض الأفران الأهليه في كنصفره والفطيره.

بعد تدمير فرن المعرّة الآلي عام 2012، وتعطّل أفران إدلب المدينة بعد تحريرها في شهر نيسان/أبريل 2015، سارعت الجمعيات الخيرية، مثل جمعية كول ومنظمة بنفسج إلى تأمين المواد الأولية للأفران الأهليه في إدلب وإلى إنشاء أفران خيرية جديدة  في المعرّة.

ومن هذه الأفران فرن جمعية الوفاء شرق كفرنبل الذي يتميّز بجودة خبزه. مدير الفرن حاتم (50 عاماً) يشرف على عمل وصيانة المخبز  مباشرة، وهو حائز على على شهادة معهد فني ميكانيك. يؤكد حاتم أنه لم يبخل على أحد طلب استشارته بخصوص تحسين إنتاج الأفران وصيانتها في المنطقة.

لم تذهب سنابل القمح المزروع في سهول ريف إدلب وحماه إلى مكان بعيد هذه السنة، بل بقيت في موطنها وتحول بعضها إلى مطاحن أفران الجمعيات الخيرية، ليتم خلطها مع مادة الطحين المستورد. ومن هذه المطاحن مطحنة صنائع المعروف ومطحنة سداد في كفرنبل ومطحنة في بلدة حاس، كما يوجد مطاحن أخرى في سراقب وتلمنس وخان شيخون. أبو أحمد (45 عاماً) باع محصول أرضه لتلك المطاحن هذا العام. وهو ليس الوحيد إذ أن العديد من المزارعين حذوا حذوه. ويقول أبو أحمد “لن ينقطع الخبز يوماً من بلادنا ما دامت السماء تمطر”.