رحلة النزوح الى تركيا طريق الحياة والموت
أمضى خالد مع عائلته 13 يوماً، متنقّلاً بين الخيم الممزقة والغابات، يحاول خلالها جاهداً العبور الى الأراضي التركية. يقول خالد “لامجال للعودة عن هذا القرار بعد أن وصلنا إلى قرية اليمضية، في ريف اللاذقية الشمالي، وبعد كل ما تعرضنا له من مخاطر. لقد ضحّينا بأنفسنا أكثر من مرّة على الطريق بعد خروجنا من محافظة دير الزور”. هي رحلة الهرب من القصف والمعارك وحلم الوصول إلى تركيا بحثاً عن الأمان والحياة.
استغرق وصول خالد مع زوجته وأطفاله إلى ريف اللاذقية أكثر من يومين، أمضوها بالسفر وقطع الحواجز المنتشرة على الطرقات، فضلا عن اجتياز طرقات خطيرة يستهدفها النظام بالصواريخ والقذائف،. كل ذلك كان بهدف الإبتعاد عن حياة الخوف والوصول إلى تركيا، التي أغلقت جميع المعابر والطرقات التي كان يسلكها السوريون سابقا من أجل الوصول إلى أراضيها. اضطر خالد مع عائلته لتكرار محاولة عبور الحدود لأكثر من 10 مرات عبر الطرق الجبلية الوعرة. “كانت محاولاتنا تسير تحت رحمة المهرّبين الذين يتقاضون مبالغ كبيرة من المال” يروي خالد رحلة المعاناة، حتى لحظة نجاحه بالوصول إلى الأراضي التركية “لم أكن أتوقع أن يحدث معي هذا في حياتي. لقد بقينا في خيمة على مقربة من الحدود عدة أيام، كان قد هجرها سكانها ونزحوا منها بسبب المعارك الشرسة على محاور القتال في الساحل. وعلى الرغم من أننا لم نكن نبعد عدة أمتار عن الحدود التركية كان القصف لا يتوقف على القرية والقرى المحيطة بها. وبالقرب من الخيمة التي أقمنا فيها، لم نجد من سكان القرية الإ القليل. جميع من كانوا برفقتنا كان هدفهم أيضا الوصول الى تركيا واجتياز الحدود. إضافة إلى مجموعة من الشباب الذين يعملون في تهريب الناس إلى تركيا، كانوا قد وعدونا أكثر من مرة ان الحدود لا يوجد بها عسكر من الجانب التركي، وأن الطرق مفتوحة وأنهم سيقومون بإدخالنا إلى تركيا مقابل المال. ولكن في أغلب تلك المحاولات كنا نجد الجيش التركي أمامنا. ، معظم المحاولات باءت بالفشل، حيث كانوا يمنعوننا من عبور الحدود ويجبروننا على العودة إلى القرية، التي لم نجد فيها أي طعام أو شراب إلا مقابل مبالغ كبيرة من المال، والتي كانت قد انتهت لو بقينا لمدة أكثر على الحدود”.
يشرح خالد كيف حاولت زوجته إقناعه أكثر من مرة بعد كل ذلك التعب بالعودة إلى محافظة دير الزور. ويقول “هذا الأمر كان محسوما بالنسبة لي، لا عودة عن هذا الطريق. هدفي أن يعيش أطفالي بعيداً عن القصف والمعارك، ولو كلفني الأمر كل ما أملك من مال، أو حتى أن أخاطر بحياتي من أجل هذا. وبعد كل هذه المحاولات تمكّنت أخيراً من الدخول الى الأراضي التركية. وانا أحاول الآن أن أجد عملاً لي، وأبحث عن منزل لأسرتي”.
محمود من جهته وهو أحد عناصر الجيش الحر في حلب يروي تجربته التي تتكرر كل شهر تقريباً، في العبور إلى تركيا عبر مناطق ريف اللاذقية. يقول محمود “زوجتي وطفلتي الوحيدة موجودتان في تركيا، بالإضافة إلى أهلي. وأنا في كل شهر تقريباً كنت أذهب إلى تركيا لكي أمضي معهم عدة أيام. وبعد ذلك أعود إلى مدينتي حلب. بعد أن أغلقت الحكومة التركية الحدود بشكل شبه كامل، خصوصاً القريبة من محافظتي حلب وإدلب، أصبح يتوجب عليّ الذهاب عبر ريف اللاذقية. أخرج من حلب في السابعة صباحا تقريباً، أحتاج بين 4 أو 5 ساعات لكي أصل إلى قرية خربة الجوز في ريف إدلب الغربي. هناك يبدأ عملي بالبحث في القرية عن مهرّب قادر على إدخالي إلى تركيا بشكل سهل، بدون أن يرافقنا عدد كبير من المدنيين الذين يحاولون الدخول إلى تركيا، لكي لا يكشفنا الجيش التركي. وفي أغلب الوقت أتوجه من قرية خربة الجوز إلى قرية اليمضية بعد غياب الشمس، كون طرق اليمضية التي تصل إلى تركيا تعتبر أسهل وأقصر من طرق خربة الجوز وأكثر أماناً أيضاً”. موضحا أنه يقطع أكثر من ثلاثة كيلومترات مشياً بالجبال ليلاً، حيث يستغرق الطريق حوالي 6 ساعات لكي يصل إلى تركيا. واللافت أن معظم محاولات محمود بالدخول إلى تركيا والعودة منها كانت ناجحة .
الشابة سماح كانت معاناتها خلال الرحلة إلى تركيا أصعب بكثير. سماح التي تركت أهلها ومنزلها في مدينة اللاذقية، التي يسيطر عليها النظام، وخرجت بإتجاه الريف لتعبر إلى تركيا للقاء خطيبها المنشق عن النظام، تؤكد أن رحلتها كانت تتضمن مخاطرة كبيرة. وتقول “خرجت من مدينة اللاذقية عند الساعة الحادية عشر ظهراً، متجهة إلى قلعة المضيق، في ريف حماة، التي وصلت إليها في حوالي الثالثة عصراً، بعد أن مررت بأكثر من عشرة حواجز لقوات النظام. تعرضت خلالها للتفتيش، وأجبرت على دفع مبالغ مالية على كل حاجز ليسمح لي بالمرور”. بقيت سماح في أحد المنازل في قلعة المضيق حتى اليوم الثاني. من ثم اتجهت إلى مدينة إدلب لتلتقي العشرات ممن يودون الذهاب إلى تركيا. وتضيف سماح “خلال رحلتي هذه عبرت العديد من الحواجز التابعة لجهات مختلفة، منها لجبهة النصرة ومنها للدولة الإسلامية، وأخرى للجيش الحر وللنظام. كذلك تعرضنا للقصف من قبل النظام أثناء ذهابنا إلى قرية اليمضية، التي بقيت فيها 4 أيام، تضمنت الكثير من المحاولات للعبور بمساعدة المهربين. تعرضنا خلال واحدة منها لإطلاق نار من قبل العسكر. كانت تجربة خطيرة بالنسبة لي، ومكلفة مادياً، إضافة إلى التعب النفس والجسدي الذي عانيت منه. بقيت عدّة أيام أنتظر في خيمة صغيرة على مقربة من الحدود، في ظل عدم توفر الطعام أو الدفء. استطعت العبور بعدها إلى الأراضي التركية من المعبر الحدودي النظامي بمساعدة شخص من معارفي، قام بإصدار أوراق لي استطعت من خلالها دخول الأراضي التركية” .
بحسب احصائيات المجلس المحلي لمحافظة اللاذقية فإن مئات المدنيين السوريين يحاولون يومياً الدخول إلى تركيا عن طريق قرية اليمضية في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، سيراً على الأقدام، في الغابات والجبال بطرق غير شرعية بهدف الوصول الى تركيا. هؤلاء يعرّضون أنفسهم للخطر بسلوكهم الطرق المستهدفة بشكل كبير بالقصف بالصواريخ و بالمدفعية الثقيلة، أو من خلال الطرق التي يعبرونها بإتجاه تركيا عبر الغابات والجبال، حيث فقدت عائلات كثيرة عدداً كبيراً من الأطفال، خلال عبورها للحدود، حيث كانوا يتركون الأطفال ويركضون في الغابات . ونتيجة لكثرة أعداد الذين يحاولون العبور يوميا، يفقدون أطفالهم نتيجة الخوف، وأحيانا يتعرضون لإطلاق رصاص من قبل الجيش التركي. تجدر الإشارة إلى أن أغلب من يتم العثور عليهم من أطفال أو نساء منفصلين عن عائلاتهم، يتم نقلهم الى المجلس المحلي أو المشفى الميداني في ريف اللاذقية.