رابطة مصابي الحرب تتحدى الإعاقة رغم الإهمال

يتحدون الإعاقة والحروب المتنقلة

حسين الخلف (30 عاماً) لا يغادر كرسيه رغم انتهائه من عمله في تصليح الأدوات الكهربائية والأكترونية. الخلف أصيب بشظية صاروخ أطلقته إحدى الطائرات الحربية، استقرت الشظية في عموده الفقري غأصبح مقعدا مدى الحياة بحسب ما أكده له الأطباء.

 لم يسمح الخلف لإعاقته بالوقوف في وجه إصراره وممارسة حياته بشكل طبيعي. تعلم مهنة صيانة وبرمجة الإلكترونيات بأنواعها، وافتتح محلاً خاصاً به، واكتسب شهرة واسعة وسمعة حسنة في مدينته معرة النعمان  لصدقه مع الجميع وتفانيه في العمل. استطاع تأمين معيشة أسرته بعيداً عن انتظار الشفقة من الآخرين.

تزداد أعداد الجرحى والمصابين يوماً بعد يوم في إدلب وريفها نتيجة اشتداد حدة القصف، ولا تزال الحرب تلقي بآثارها السلبية على المصابين الذين يحاولون ما استطاعوا مسابقة الزمن للتخفيف من آثار الإعاقة القاسية.

ضمن مبادرة هي الأولى من نوعها في الشمال السوري، أسست مجموعة من مصابي الحرب وتحت إشراف منظمة بلسمرابطة أطلقوا عليها إسم “رابطة مصابي الحرب”. وتهدف الرابطة إلى العمل على دمج المصابين بالمجتمع، وإنشاء منصة تمثلهم رسمياً، وتوصل صوتهم، ويستطيعون متابعة احتياجاتهم والوصول لحقوقهم بأنفسهم دون انتظار أحد.

مها الغنوم (26 عاماً) من مدينة إدلب كان لديها الكثير من الأحلام.أحلامها ماتت في حفلة قصف محموم استهدفت المدينة وأدت إلى بتر ساقيها. لم تستسلم الغنوم لواقعها بل قررت متابعة عملها في التعليم على كرسي متحرك، إيماناً واعتقاداً منها بأن الإنسان السليم عاجز من دون إرادة والعاجز يتجاوز محنته بإرادته.

تسعى الغنوم بإرادتها الصلبة لأن تعلم أبناء بلدها وتنشئ منهم جيلاً مثقفاً واعياً، وخاصة بعدما آلت إليه حال طلاب المدارس في منطقتها، مع تراجع مستوى التعليم وتناقص أفراد الكادر التعليمي.

تقول والدة مها معتزة بإبنتها: “لم تيأس مها من وضعها ولم تتوقف حياتها بسبب تلك الإصابة الغادرة، بل اتخذت من حالتها حافزا لتبث في غيرها من الشبان والشابات المصابين، روح الأمل ونبذ اليأس والإحباط”.

أبو عماد (34 عاماً) من مهجري الغوطة الشرقية ويقيم حاليا في بنش في ريف ادلب. فقد أحد أبنائه وخسر ساقه اليسرى في إحدى غارات الطيران الحربي على منزله في الغوطة. لم يفقد أبو عماد الصبر والأمل والعزيمة، لجأ إلى تركيا للعلاج وحظي بتركيب طرف صناعي.

 لم يرضَ أبو عماد بأن  يصبح عالة على من حوله. تمكن من الإستمرار في مزاولة مهنة الحلاقة التي كان يمتهنها قبل الإصابة. يقول أبو عماد لحكايات سوريا:” كنت أعتمد في البداية على ما تقدمه لنا المنظمات الإغاثية من سلل غذائية لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة والغلاء الفاحش”.

يضيف أبو عماد: “قررت أن أعتمد على نفسي وأعمل لأنتج ما أسد به رمق أطفالي، أعاني من صعوبة بالغة وجهد في العمل كونه يتطلب الوقوف لساعات طويلة ولكنني أجده أفضل بكثير من مدّ يد الحاجة للآخرين. لا مجال للإحباط في حياة الإنسان مهما كانت الظروف قاسية، وإن كان لا يريد أن يقوم بذلك من أجله، فعلى الأقل يتسلح بالتفاؤل من أجل الآخرين”.

الأخصائي في الدعم والتأهيل النفسي محمود السلوم (39 عاماً) من معرة النعمان يشدد على وجوب “أن ننظر لمصابي الحرب مثل أي إنسان له كيانه وشخصيته ماداموا قادرين على العطاء، فهناك من حققوا ما لم يستطع تحقيقه كثير من الأصحاء جسدياً”.

ويلفت السلوم إلى أن أبرز مايواجه القطاع الطبي النفسي في المناطق المحررة هو الإهمال وعدم وجود مراكز كافية لتأهيل المصابين نفسياً. إضافة إلى عدم تفهم المجتمع للأمراض النفسية. ودائما يأتي التبرير بأن الالتفات إلى المعوّقين من الناحية الجسدية وغيرها من الإصابات هي أولوية في الوقت الراهن.

ويؤكد السلوم بأن النسبة الأكبر لحالات الإكتئاب تصيب الفئة الشابة. لكون هذه الأعمار تحمل توقعات أفضل للمستقبل، لذلك فإن الكثير من تلك الحالات ونتيجة عدم متابعتها ينتهي بها الأمر إما للإنتحار أو الإدمان أو حمل أفكار عدوانية تجاه المجتمع.

“الكثير من المصابين استطاعوا الخروج من دوامة العجز إلى رحاب الحياة والعطاء، بفضل دعم أفراد المجتمع ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية، التي تساهم في تقديم العون والتفهم” بحسب السلوم.

عضو المجلس المحلي في ريف إدلب مازن الصطوف (40 عاماً) يقول: “نسعى جاهدين وبالتنسيق مع بعض المنظمات الإنسانية لتأمين فرص عمل لهؤلاء المصابين، بحيث تلائم إمكانياتهم وتنمّي طاقاتهم الكامنة وتظهر مواهبهم وإبداعاتهم، ليتمكنوا من ممارسة دورهم في المجتمع بشكل شبه طبيعي”.

ويعطي الصطوف مثالاً على ذلك “ما قامت به منظمة زووم إنومنظمة بلسم، حيث عملتا على تدريب مصابي الحرب على مهنة صيانة الجوالات، إضافة للف المحركات الكهربائية ،وبذلك استطاع هؤلاء  المصابين أن يخرجوا من عزلتهم، وتحسين الدخل لديهم. فأصبحوا بالتالي كوادر فعالة في المجتمع بدلاً من أن يكونوا عبئا عليه”.

ويلفت الصطوف إلى “عدم وجود إحصائية واضحة ودقيقة عما خلفته الحرب في سوريا من حالات إعاقة وإصابة، وذلك بسبب ضعف الإمكانيات المسحية وعدم القدرة على متابعة الحالات اليومية نتيجة القصف المستمر وتزايد الإصابات يومياً”.

مدير مكتب الداخل في منظمة بلسم فادي عبد الخالق (33 عاماً) يوضح: “أن رابطة مصابي الحرب، تأسست ضمن الحملة التي قامت بها منظمة بلسم في يونيو/حزيران 2018، تحت عنوان إصابتي ليست عجزاً. ومن أهم نشاطاتها كان تأسيس عدة روابط انطلاقاً من الرابطة الأم، كما قامت بنشاطات ترفيهية وإغاثية للمصابين”.

ويؤكد عبد الخالق “أن منظمة بلسم تستمر بالرغم من الصعوبات التي تواجه العمل الإنساني عموماً والمنظمة خصوصاً، بسبب توقف الدعم منذ بداية العام الحالي، عن مركز الأطراف الاصطناعية التابع للمنظمة، والذي يقدم خدمات تركيب الأطراف الاصطناعية والجبائر التقويمية، إضافة للدعم النفسي والعلاج الفيزيائي للمصابين بالرغم من الحاجة الماسة، خاصة مع ارتفاع أعداد المصابين في الفترة الأخيرة”.

ويختتم عبد الخالق حديثه قائلا: “سنستمر بتقديم كل ما نستطيع لهذه الفئة من المجتمع، ونقف بجانبهم  ضمن إمكاناتنا المتاحة”.