دقّوا الباب وقالوا لي: أخوكِ مات!
حلب : بستان القصر الحاجة تجبر بعض النساء للوقوف أمام أبواب المساجد لطلب بعض المساعدة - تصوير: صلاح الأشقر
"وقفتُ مصعوقةً، والدموع لا تهدأ... أخي توأم روحي، قتلوه دون أي رحمة أو ضمير!"
خرجَ أخي الصغير عمر مع أخيه الأكبر أحمد صباح يوم السبت 14 أيلول/سبتمبر 2013 إلى مكان عملهما القريب من منزلنا.
وبعد ساعتين تقريباً، كنا ننتظر عودتهما، ليتناولا معنا الفطور أنا وأُمّي وأختي، كما جرَت العادة.
لكن عند التاسعة من ذلكَ اليوم، خاب ظنُنا!
عادَ أخي الكبير وحيداً… فتحَ الباب والدموع تنهمر من عينيه. جاءَ إلى المنزل، مصطحباً معهُ الخبرَ الصاعق! قالَ احمد: “دورية من دوريات النظام، أتت إلى الورشة وساقت عمر إلى جهة مجهولة”!
يا ربّي كيف ذلك، وعمر لم يكن قد أتمَّ السابعة عشر من عمره؟!
بدأت تتعالى صرخاتنا في المنزل بالبكاء والدعاء، راجين الله أن يعيد إلينا عمر سالماً، لأنه فلذةُ كبدنا وقطعةٌ من روحنا، وصغيرُنا المدلل…
أمضينا اليوم بأكمله، نبحث عن أي وسيلة لإنقاذ أخي من أيدي الظالمين، الذين انقضّوا عليه كالوحوش المفترسة.
وصرنا نُقبّل أيدي الصغير والكبير (جملة تستعمل شعبياً للإشارة إلى توسّل المساعدة). كنّا قد سعينا طوال النهار دونَ أمل، حتّى حلَّ المساء وتمَّ إعلامنا أنَّ الجهة التي اعتقلت عمر، قد سلّمته إلى فرع الأمن العسكري المعروف بظلمه وحقده… وأنَّ ذلك حصلَ بعدما تمَّ تعذيبه في بيتٍ مهجور دون حسيبٍ ولا رقيب.
مرَّت أسابيع، وكان كلما خرج شاب من المعتقل، يرسل معه عمر خبراً ليطمئننا عنه… فيكون ذلك بارقة أمل لنا، ويهدّئ من روع أمي، التي يعي عمر كم أنَّها مُتعلّقة به. وهي لم تقطع الأمل برؤيته ثانيةً، كانت تقول:
“أنا متأكِّدة أنَّ السجّان سيُطلق سراحه، ولدي عمره 16 عاماً! طفل، ماذا سيفعلون له؟”
نعم النظام حاقد، لكن لم نكن نتوقّع أنَّ مشاركات أخي في المظاهرات السلمية كبقية الشبّان، ستجلعهُ يدفع كل هذا الثمن!
وبعد… لم تكن قد اننتهت فصول المعاناة. فقد تمّ نقل أخي إلى عدة فروع، التي تهدف لتعذيب السجناء وإذلالهم وهدر كرامتهم.
إلى أن أتى صباح يوم 22 كانون الثاني/يناير 2014… كان يوماً هادئاً، وكنتُ مليئةً بالطاقة الإيجابية، متأملةً بأنّ كل ما يحدث معنا، لن يكون إلاّ غيمةً سوداء ستزول…
في ذاك الصباح، توقفت سيارة تابعة للشرطة العسكرية أمام منزلنا، ونزلَ منها عناصر، بدأوا بطرق الباب بقوة.
ركضتُ مسرعةً: هل عمر عاد؟!
فتحتُ الباب لأتلقّى الخبر الذي كان كالصاعقة على مسمعي…
سلّموني ورقة وفاة عمر!
جاءوا كي يقولوا لي أنه مات، ما يعني أنهُم قتلوا عمر تحت التعذيب!
يا لوقاحتهم…
وقفتُ مصعوقةً، والدموع لا تهدأ… أخي توأم روحي، قتلوه دون أي رحمة أو ضمير!
ثوانٍ، ثم بدأتُ بالصراخ كالمجنونة، بصوتٍ عالٍ! كنتُ أُريدُ أن أُعلِم الجميع بذاك النبأ!
بأنّ شمعةَ البيت قد انطفأت…
كانت أمي في الخارج، وعندما وصلت إلى المنزل، رأت الناس تتجمّع أمامَ الباب… استغربتْ وبدأت تسأل نفسها: ماذا يجري؟! لا تدري بأنّ ابنها فلذة كبدها قد قُتِل… وبأنَّ الجميع هُنا ينتظر قدومَ جثته المشوّهة من آثارِ التعذيب.
انهارت أُمي وصارَ صدى صوتها يملأَ المكان…
يا لذاكَ اليوم الموجع قبل ثلاث سنوات… وإلى اليوم، طيف عمر يرافقني أينما تلفّتُّ، وصدى صوته يتكرّر على مسمعي… أتجرّع الغصّات دائماً، محاولةً أن أبقى قويةً ومتماسكة، لأتمَّ دراستي وحلمي الذي أُهديه إلى روحِ عمر…
ويا عمر…
إلى اليوم لا أنسى لعبنا سوياً وضحكاتنا… وكأنكَ البارحة كنتَ تعبث بألعابي!
ضحكاتك يا عمر لا تفارقني، وتواسي دموعي…
ندى السيد (20 عاماً)، طالبة في السنة الأولى طب بشري في جامعة إدلب. والدها متوفّي وأخوها توفيَ تحت التعذيب في السجون السورية. تعيشُ اليوم مع والدتها وأختها في إدلب، فيما يقيم أخاها الأكبر مع عائلته على مقربة منهم.