دعم نفسي للأطفال في كفرنبل

تجلس نور (9سنوات) بمفردها، بعيداً عن غيرها من الأطفال. لا تحاول أبداً الاختلاط بأحد من أقرانها. غالباً ما تجيب أهلها بالصراخ إذا حاولوا الكلام معها.  لم يكن بوسع أمها أن تعرف حالتها بالتحديد، أو أن تعرف أسباب تدهور حالتها النفسية. غير أن مدرّستها في مركز شخابيط سوسن (23 عاماً)  لاحظت المشكلة وأخذت تعمل عليها مباشرة بمساعدة كادر المركز.

من النشاطات الخاصة بمركز دعم الأطفال مفسيا في كفرنبل تصوير مها الأحمد

نور ليست الطفلة الوحيده في مركز شخابيط ممن خضعت لرعاية نفسية مكثفة  واهتمام بسبب حالتها النفسية الصعبة، بل هناك العديد من الحالات المرضية والعادية تم الاهتمام بها في مراكز ترفيهية وتعليمية عديدة في المنطقه من خلال الرعاية عبرنشاطات الدعم النفسي.  تقول سوسن “لاحظت على نور قبل عدة ايام من بدء علاجها أعراضاً غريبة، تشبه أعراض التوحد من انفراد وعدم اختلاط بزملائها. أخبرت زملائي المنشطين في المركز، وبدأنا نحاول  إخراجها من عزلتها، وإقناعها باللعب مع زملائها. صرنا  نشاركها اللعب بأسلوب  محبب وجميل. ونحاول أن نجعلها تشارك البقية في اللعب. بعد نحو أربعة أشهر، خفت حالة العزلة التي كانت تعيشها بشكل ملحوظ” وتضيف سوسن “كانت هذه من الحالات التي  سجلت نسبة نجاح إلى حد ما والتي عولجت في مركزنا”.

عمل المراكز التي تختص بالوضع النفسي في المعرّة وريفها يتبع لمؤسسة رعاية الطفل في كفرنبل، بحسب ما تقول رقيه (25 عاماً) المنشطة ومدربة المنشطين، وتضيف “يتكون الكادر التدريبي من ثلاثة مدربين ومدير للتدريب ولوجستي يقدم الطلبات والحاجيات من معدات وأوراق”. وتتابع رقيه “نحن كادر تدريب الدعم النفسي في كفرنبل نقوم بتدريب المنشطين المنتشرين في مراكز الأطفال في كفرنبل وما حولها. إن  أهم أهدافنا في هذه الدورات، أولاً: ترويض الأطفال العدوانيين، وإخراجهم من حالة الحرب. ثانياً: تعليم الأطفال كيفية مواجهة المشاكل التي تعترضهم ومحاولة حلها بالتعاون معهم. ثالثا:  تعزيز الثقة بالنفس وتقريب الطفل للحياة العاديه المستقرة بالإضافه لاستيعاب الأطفال وحمايتهم من رفقاء السوء وتعليمهم سبل التعامل مع الغير وتعزيز الثقافه والتعليم لديهم”.

بتول (14عاماً) أوقفها أبوها عن متابعة الدراسة، تقول رقيه عن حالة بتول “طرحت علي الفتاة مشكلتها بعد أن سألتها عن سبب حزنها الدائم، فحاولت أن أساعدها من بعد ان عرفت مشكلتها الحقيقية، وهي الخوف والخجل من أبيها والذي يمنعها من العودة إلى المدرسة. فبدأت اعطيها دروسا في الثقة بالنفس أوضحت لها من خلالها أن الإنسان يحتوي على نقاط ضعف و نقاط قوه ويجب علينا أن تستثمر نقاط القوه لدينا لحل مشاكلنا. حيث أن نقاط  القوه بإمكانها أن تتغلب على الضعف إذا عرفنا كيف نتصرف”. تتابع رقيه بأنها وجهت بتول لأن تشرح  لأبيها مدى محبتها  للعلم  والمدرسة  إضافة إلى انها نصحتها أن تتحدث مع أقرب شخص إلى أبيها لكي يقنعه بالسماح لها أن  تعود للمدرسة، وكان هذا الشخص هو جدها والد أبيها. وفعلا تمكّن هذا من إقناع والدها بان يسمح لها أن تعود  إلى المدرسة ثانية  بعد أن تحدث معه وأقنعه. وكانت هذه من الحالات التي عالجتها المدربة  رقيه ونجحت فيها بنسبة 90 في المئة حسب قولها.

تتعدد اهتمامات المركز، والنجاحات التي يحققها، ومنها قصة أكرم (10 سنوات) الذي أقلع عن  عادة الكذب بعد إتمامه إحدى الدورات في المركز، الأمر الذي أثلج قلب والده خالد (40 عاما). مديرة المركز كاميليا (43 عاماً) تؤكد أن حالة اكرم كانت من بين حالات النجاح التي سجلت في المركز.

سلام (28 عاماً) تعمل مدرّبة في مركز الدعم النفسي في كفرنبل حيث تقوم هي معها فريق عمل مخصص بتنظيم دورات للمنشطين والمعلّمين الذين يعملون في مراكز الأطفال في كفرنبل ومعرة النعمان ومعرة حرمة وحاس.  إضافة إلى دورات تدريبية للمنشطين في مراكز للاطفال في ريف حلب الجنوبي تحديدا الأتارب، وللمنشطين الذين يعملون في منظمة بسمة أمل، وذلك لدعم الأطفال في مراكز هذه الجمعية. وبحسب المدرّبة سلام “لا يوجد حدود لمناطق عمل الفريق. نحن على استعداد دائم  لتنظيم دورة مجانيه  لأي مجموعة أو فريق يطلب منا ذلك”. وتوضح سلام “أن مدّة الدورة 10 أيام، بعدها يحصل الشخص على شهادةه في مجال موضوع الدورة”.

مدير مؤسسة رعاية الطفل أبو عبدو وهو من بلدة معرة حرمه، يقول “الحرب الدائرة سببت للأطفال الكثير من الضغوط النفسية والاجتماعية،  نتيجة تعرضهم لظروف قاسية، من جوع وحصار وقصف ومعارك ولجوء وفقدان للاحبة أو لأحد الوالدين. فكان لا بد من إقامة مثل هذه المراكز في المناطق المحررة لمحاولة تقريب الطفل من الحياه العادية والمستقرة نسبياً، سيما وأن إحصاءات رسمية لليونسيف تشير إلى وجود حوالى مليوني طفل لاجئ بحاجة إلى دعم نفسي“. و يوضح أبو عبدو “أن منهاج  التدريب الذي يتم العمل بموجبه يتم عبر كتب معتمدة من منظمة اليونيسف. وهو منهاج يسمح بإعطاء مساحه للهو بواسطة ألعاب هادفة ومسلية، ضمن أنشطة التفريغ النفسي التي تدعى لايف سكيلز ورايت بلاي”. ومن المناهج المعتمدة يشير أبو عبدو  إلى منهاج “ديل” وهو  مجموعة العاب يتعلمها الأطفال تختص بالتفريغ النفسي، يتعلم بواسطتها كيف يرتاح نفسيا ويكون هادئاً، وهناك منهاج يدعى “بيغ ديلbig deal ))، ليتل ديل (little deal)، بارنت ديل(parent deal)” يعمل على تقليل نسبة الخوف لدى الطفل من خلال الألعاب التي يمارسها في هذا البرنامج. ويتعلم الأطفال كيفية التصرف في حال وجود خطر ما أو قصف وفق  برنامج الديل هذا. ولكل عمر منهاج معين على سبيل المثال “ليتل ديل” (little deal) للعمر المحدد من 6 إلى 10 سنوات، أما منهاج “ديل” (deal) فيشمل الأعمار بين 10 و14 سنة.

كما يعد أبو عبدو بأنهم ينوون إرسال كادر التدريب إلى تركيا بأقرب فرصة لحضور دورة “شي ديل” (she deal )  وهي مخصصm للأعمار الكبيره فوق 14 سنة. يفيد أبو عبدو أن مركز الدعم النفسي في كفرنبل هو المركز الوحيد في محافظة إدلب الذي يتقن منهاج الديل بأنواعه، لذلك يقع على عاتقه تدريب كوادر  في مناطق اخرى. وعن مصدر الدعم المادي يقول أبو عبدو “أن منظمة إتحاد المكاتب الثورية (URB)  هي من تتولى دعم  المركز بالإضافة إلى منظمه محايدة لا ترغب بذكر اسمها”.

وعن الأنشطة المستخدمة في  “ديل” تقول سلام “هناك عدة أنشطه للتفريغ النفسي والتسلية، ومنها تخفيف الخجل الزائد أو الخوف الزائد أو الحركة الزائدة. بحيث يرجع الطفل لعادته الطبيعية بعد التدريب. وعادة ما يلاحظ الطفل التحسن الذي  يحدث له ايضا”.

كما تحدثت سلام عن أنشطة عدة ضمن هذا المنهاج، ومنها أنشطة الاسترخاء ولها أشكال، تنفس تنّين، تنفس زهره، تنفس أرنب. أنشطة تواصلية مثل نشاط الإصغاء الفعال وهو عبارة عن لعبة تعلمهم كيف يكونوا مستمعين جيدين. وهناك نشاط مشاهد تمثيلية، وفيها يقترح الأطفال مشكله ويمثلونها ثم يقترحون حلاً ويمثلونه أيضاً.

نشاط آخر يدعى نقل الشعور، ويتعلم الطفل من خلاله كيفية التعرف على حالة أحد من أقرانهم إن كان حزيناً أو متوتراً أو خائفاً  من خلال تعابير وجهه.  ويتعلمون أيضا كيفية التعامل مع البالغين.

وهناك  نشاط الرسم الجماعي بحيث يجتمعون على لوحة واحدة، يبدأون برسمها  بدون أن يتكلموا أي كلمة، إلى أن ينتهي رسم اللوحة وغالبا تخرج لوحة جميلة ومعبرة كما تقول سلام.  ونشاط وحدة الصراع والسلام يعلمهم كيفية حل النزاعات والمشاكل بطرق سلمية  في ما بينهم.

تامر (13 عاماً) يواظب على الذهاب إلى مركز ألوان  الترفيهي في كفرنبل يقول “أنا سعيد لأني أشعر بأنه رغم المآسي رغم كل شيء لا زال هناك أناس تهتم بنا وترعانا  وتعطينا المحبه والأمان .”

تعبّر رحاب (45 عاما) عن سعادتها بالتقدّم الذي أحرزته ابنتها، وتقول: ” كانت ابنتي لجين تعاني من خجل شديد قبل ذهابها إلى مركز ألوان،  هذا الخجل كان يمنعها من الاختلاط بأقرانها، أو المشاركة في الأحاديث مع من هم أكبر منها سناً. بعد مشارتها في أنشطة  التدريب المختلفة من قبل المنشطين في مركز ألوان، وبعد  فترة ستة أشهر، لاحظت فرقا كبيرا وتحسن ظاهر لدرجة أنها أصبحت تشارك أقرانها حتى في الغناء على المسرح بكل طلاقه وبدون خجل .”

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي