دعاوى ومحاكمات ضد من مارس التعذيب بحق السوريين

يبدو الأسى والألم في عيون ندى الزعبي معدياً وهي تتذكّر ضروب التعذيب الذي تعرّضت له في سجن المخابرات الجوية “شبح، منفردة، كهرباء ضرب. هذا ما مُورس عليّ خلال فترة اعتقالي، وعندما ألقي القبض علي وخلال نقلي إلى السجن لم أسلم من الركلات والضرب بأعقاب البنادق ولا من الإهانات والبذاءة”. 

ندى الزعبي، صحافية تم اعتقالها عام 2011 عند حاجز للمخابرات الجوية على طريق درعا، النعيمة – أم المآذن. تقول الزعبي “كنت أتمنى الخروج من المنفردة ولو من أجل التعذيب. الوحدة قاتلة، والعتمة بشعة جداً، عدا عن الأوساخ والدماء المنتشرة هناك. نعم كنت انتظر وقت تعذيبي أفضل من تواجدي في غرفة مظلمة لا تتجاوز مساحتها المتر الواحد”. 

وتضيف الزعبي “لو لم تدفع عائلتي مبالغ مالية ضخمة لبعض النافذين، لكان قد تم اغتصابي فعلياً، وقد حدث ذلك مع نساء من جميع المناطق السورية خلال فترة اعتقالي في 3 أفرع ما بين درعا ودمشق”. 

استمرت فترة اعتقال ندى ثلاثة أشهر، تنقّلت خلالها من فرع الجوية إلى الأمن السياسي في درعا، ثم إلى فرع 215 المعروف بفرع الموت في دمشق، لتتحول بعدها إلى سجن عدرا قبل الإفراج عنها بأسبوعين.

لم تتقدم الزعبي بأية دعوى ضد النظام السوري رغم تواجدها في تركيا منذ العام 2018 بعد رحلة استمرت لشهر تنقلت خلالها من الجنوب السوري وحتى الحدود الشمالية السورية التركية عبر طرقات مزروعة بالألغام، مروراً بمناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وقوات سوريا الديمقراطية.

تقول الزعبي: “لست قادرة بعد على التقدم بدعوى ضد النظام رغم كرهي الشديد له ولجميع من يعمل معه. الاعتقال أثّر بي بشكل كبير، وأنا لم أتعاف بشكل كامل من آثاره نفسياً وجسدياً. عدا عن المسؤوليات الملقاة على عاتقي في الغربة، خاصة وأني أم لطفل يبلغ من العمر 4 سنوات”. 

على الضفة الأخرى، نوران الغميان إحدى المعتقلات السابقات في فرع الخطيب في العاصمة دمشق. تعرضت خلال فترة اعتقالها التي استمرت ثلاثة أشهرعام 2012 للتعذيب الجسدي والنفسي بما في ذلك التحرش. 

تقدمت الغميان هذا العام بدعوى في ألمانيا لمحاكمة ضابطين سوريين كانا يعملان مع السلطة وهما أنور رسلان بصفته عقيداً سابقاً في جهاز فرع الخطيب ساهم في تعذيبها، وإياد الغريب الذي اعترف فور وصوله لألمانيا بأفعاله في سوريا. 

تختلط مشاعر نوران الغميان بين الحزن والغضب والأمل والارتياح. عندما تتذكّر مشاهدتها رسلان وراء القضبان، خلال محاكمته في محكمة ألمانية مع شخص آخر مطلع العام 2020، وتتمنى أن يشعر يوماً ما “بإحساس من كان يتسلط عليهم بسبب رتبته العسكرية”. 

تدعو الغميان جميع المعتقلات والمعتقلين السابقين في السجون السورية ممن لم يتقدموا بدعوى أن يسارعوا إلى القيام بهذه الخطوة، لمحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا. 

منى محمد معتقلة سابقة في سجون النظام، تعمل اليوم كمنسقة في برنامج لتأهيل الناجين من الاعتقال، وإعادة دمجهم بالمجتمع ضمن “مبادرة تعافي” التي أطلقتها منظمة كش ملك. وثّقت قانونياً ما حدث معها خلال فترة اعتقالها، موضحة أنها تعمل منذ خروجها من المعتقل على توثيق قصص معتقلات ومعتقلين إعلامياً، وأن خطوة التوثيق هذه ستكون “حجر بناء لمواجهة النظام وضمان الحقوق يوماً ما” بحسب وصفها. 

لا ترى منى محمد فرقاً كبيراً بين التوثيق الإعلامي والقانوني، طالما عملية التوثيق تتم وفق الطرق الصحيحة المعتمدة من قبل المنظمات العالمية. وتشدد على أهمية هذه العملية لهدفين، أولاً من أجل معرفة تفاصيل ما يحدث داخل الأفرع الأمنية والتي ما تزال مجهولة حتى هذا اليوم. وثانياً من أجل تذكير الأجيال القادمة بكيفية قيام النظام بتعذيب المعتقلين خلال فترة الثورة السورية. 

وخلال فعالية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 أيلول/سبتمبر 20200، بعنوان “ضرورة تحقيق العدالة للمعتقلين لدى نظام الأسد” أكد المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني “أن المسار القضائي ضد النظام السوري هو مسار طويل ويجب ألا يكون وحيداً”، مشدداً على أهمية السعي وراء الحصول على العدالة. كما دعا لأن يكون هناك تحركاً دولياً عاجلاً وآليات حقيقية لتمنع الجرائم قبل حدوثها.

ويعتبر عبد الغني أن عمليات الاعتقال في سوريا هي بالحقيقة “عمليات خطف” لأنها تخالف القواعد الرسمية الإجرائية، كما أن سبب الاعتقال في سوريا غالباً غير قانوني “بسبب رأي سياسي والحق في التعبير”، ولا يتضمن مذكرة اعتقال قضائية، كما لا يُسمح للمعتقل بطلب محامي فور اعتقاله إنما فقط إن أمكن “إخطار أهله”، وبعد الاعتقال هناك عملية تعذيب وحشية، ويبقى المعتقل طوال فترة الاعتقال دون الخضوع للمحاكمة. 

المحامية جمانة سيف التي تعمل على محاسبة مرتكبي جرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب بسوريا تقول: “النظام استخدم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المدنيين في مراكز الاعتقال، بهدف قمع ومعاقبة الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم ينتمون إلى المعارضة. وذلك من خلال خلق بيئة من الخوف لا تنتهي، مثل الاغتصاب أو التهديد به، والتحرش، وتفتيش مناطق حساسة، وتشويه الأعضاء التناسلية، أو إجهاض قسري وتعرية قسرية”.

ويقول الخبير في القانون الدولي المحامي بسام طبلية “إن الدعاوى الفعالة للحالة السورية تنحصر بالأنواع الناتجة عن “الضرر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب المقترف من قبل أشخاص معينين. ويستطيع الشخص المتضرر تقديم شكوى في المكان الذي يقيم فيه المسؤول عن تعذيبه، أي أن توثيق القصص والأسماء والشخصيات ستساهم جميعها في محاسبة مرتكبي الجرائم فور دخولهم أراضٍ تسمح برفع دعاوى ضدهم”.

ويبين طبلية كيف أن قواعد أصول المحاكمات تختلف من حيث قبول الدعوى أو شكلها أو عدم قبولها، وذلك لأنه يعتمد على “الاختصاص المكاني” أي وجود الضحية والمجرم ضمن البلد ذاته، أو “الاختصاص العالمي الذي تعتمده تلك الدولة” أي أن وجود الضحية والمجرم ليس ضرورياً ضمن ذات الدولة.

ويوضح طبلية أنه عادة في الحالات الإنسانية يتم رفع دعوى من شخص ضد شخص آخر، ولكن مؤخراً تم رفع دعوى من دولة ضد دولة أخرى كما فعلت الحكومة البولندية ضد حكومة بشار الأسد أمام محكمة العدل الدولية (التي تنظر بالنزاعات والانتهاكات بين الدول فقط، بتهمة انتهاك دمشق لمعاهدة مناهضة التعذيب التي وقّع عليها النظام السوري.

ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد المعتقلين “تعسفياً” منذ آذار/مارس 2011 وحتى آب/أغسطس 2020 بلغ 148191، شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال، الاحتجاز أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بينهم 130758 لدى النظام السوري، ضمنهم 3584 طفلاً و7990 سيدة. ويعتبر النظام أن جميع الأرقام المتداولة عن أعداد المعتقلين غير صحيحة، وهناك خلاف على الأرقام التي جرى تداولها خلال مباحثات أستانا.