داريا أسيرة البراميل المتفجرة
(داريا، سوريا) – تعود رنا وأمها متعبتين من الطريق الطويل من دمشق إلى صحنايا وبالعكس، حيث قدمتا العزاء بموت عدد كبير من الأشخاص من عائلة واحدة، قتلوا بالقصف الجوي على داريا. بعد أن تخلع الفتاة العشرينية حجابها بسرعة وتجلس، تستعيد ما جرى خلال الزيارة، ساخرة من قريبتها التي أخبرتها أن ابنها “شهيد”، قبل أن تعلم رنا أنه توفي بجلطة. ترد الأم عليها: “أهل داريا يجب أن يعتبروا جميعاً شهداء”. تصمت الفتاة لحظة لتعود للحديث عن العائلة التي قضت: “عائلة كاملة، الأب والأم وأختاها وابناهما، وزوجة أحدهما وطفلها، جميعهم قضوا بالبراميل المتفجرة”.
بدأت الحملة الحالية لقصف داريا بالبراميل المتفجرة ليلة رأس السنة 2014 وسقط برميل على كنيسة المدينة، بحسب ناشطين من داخل المدينة، فأصيب بناؤها وحديقتها بأضرار. استمر القصف لمدة 15 يوماً بمعدل يتراوح بين أربعة وستة براميل يومياً، قام بعدها مقاتلو المنطقة بإسقاط طائرة مروحية للنظام، فتوقف القصف لثمانية أيام كاملة، ثم عادت البراميل لتمطرهم بوتيرة أعلى، بين ثمانية و22 برميل يومياً، وتمر عدة أيام ممطرة يتوقف فيها القصف، ويستمر القصف منذ منتصف شباط/ فبراير حتى كتابة هذاالتقرير بعدد براميل بين 6 و8 يومياً.
مهند أبو الزين المتحدث باسم المجلس المحلي و”لواء شهداء الإسلام”، تحدث الى موقع “دماسكوس بيورو” عبر الانترنت بسبب الحصار المفروض على داريا. يحكي أبو الزين مطولاً عن الخراب الذي ألمّ بالمدينة، ويروي قصة كل بناء على حدة: الأبنية السكنية التي تدمر منها أكثر من 40، المنازل العربية التقليدية التي اختفى 90 منها، المخفر، المشفى الميداني، المركز الإغاثي، والمكتب الإعلامي الذي نزل فوقه فقط تسعة براميل دمرته بشكل كامل منتصف شباط/ فبراير.
يضيف أبو الزين أن أكثر من 400 برميل وسبع حاويات سقطت فوق المدينة في أقل من شهرين، يزن كل برميل بين 600 إلى 1000 كيلو من المتفجرات، ويدمر من ثلاثة إلى ستة منازل عربية، أو ثلاث إلى أربع طوابق من بناء.
أكثر من 25 ضحية منذ بداية القصف حتى اليوم، بينهم تلك العائلة التي ذهبت رنا للتعزية بها، “هم تسعة أشخاص، جميعهم من عائلة سيد سليمان. قتل ثمانية منهم بالبراميل، ثم لحق بهم ابنهم الشاب بعد أربعة أيام ببرميل آخر”.
ويعتقد أيهم، الناشط الإغاثي ذي الخمسة وعشرين عاماً من أهالي داريا، أن عدد الضحايا القليل بالنسبة إلى كم الهجمات الكثيف على المدينة، يعود إلى أن معظم من بقي من الأهالي يعيش في الأقبية والملاجئ. ولا يخفي أيهم تعبه مما وصلت إليه حال السكان، “جميعنا بحالة نفسية سيئة، بسبب القصف والحصار. ما الذي يتوقعه المرء غير هذا؟”.
أيهم الذي يرفض الخروج من داريا، يتفهم تماماً حاجة الناس للهرب من هذه الظروف، فعدد سكان المدينة الذي كان يقارب 300 ألف مدني في آخر الإحصاءات قبل العام 2011، انخفض إلى 6000 مدني لا أكثر بعد الحصار الذي بدأ في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، بينهم حوالي 600 طفل أغلبهم رضع، وبعد اتفاق الهدنة بين النظام ومدينة المعضمية المجاورة، استطاع حوالي 1000 شخص من الأهالي الخروج، جلّهم نساء وأطفال. ويمنع حالياً خروج الرجال من الحاجز الذي يصل داريا بالمعضمية، حسب شروط الهدنة المعمول بها، والتي تمنع أهالي المعضمية من تقديم أي مساعدات غذائية أو طبية لأهل داريا.
وكان النظام قد عرض هدنة على داريا، باتفاق يشبه ذلك الذي عقد مع أهالي المعضمية، الذي قضى بأنهاء الحصار مقابل رفع العلم الذي تعتمده الحكومة. في بداية شهر شباط/ فبراير قابل وفد من أهالي داريا الموالين للنظام ، وقابلوا قادة الألوية الثلاثة المعارضة في المدينة، ورئيس المجلس المحلي ونائبه، بشروط تنص على تحويل المقاتلين في “الجيش الحر” إلى لجان شعبية، وتسوية أوضاعهم، وتسليم الأسلحة الثقيلة، مقابل إدخال المساعدات الغذائية للمدينة، وهي الشروط نفسها التي عرضت على بقية المناطق في ريف دمشق. رأى ممثلو المدينة المعارضون في هذه الشروط استسلاماً غير مقبول بعد ثلاثة أعوام من الثورة وعدد كبير من الشهداء، فقاموا بعرض اتفاق آخر، كما يقول مهند أبو الزين.
“طالبنا بالإفراج عن معتقلي داريا والذين يبلغ عددهم 1608 و95 بالمئة منهم مدنيون، وإدخال 1000 طن من الأغذية مقابل وقف اطلاق النار”. يضيف أبو الزين أن النظام رفض الشروط المطروحة، ويرى أن أحد أهداف هذه الحملة الشعواء الضغط على الأهالي باتجاه المصالحة وقبول الهدنة أو الاستسلام. يقول أبو الوين أن النظام يكمل ما بدأه منذ 15 شهراً حين حشد لاقتحام داريا ولم يستطع، فبدأ بعمليات انتقام لـ “إبادة” من تبقى، وخصوصاً بعد عملية عسكرية شنها مقاتلو داريا تحت عنوان “وبشر الصابرين” تقدموا فيها لكيلو متر شرق داريا باتجاه أتوستراد درعا، منذ منتصف شباط/ فبراير.
بعد الحديث عن الضحايا، تابعت رنا سخريتها المُرة، موجهة إياها نحو النظام قائلة إن له “شرف اكتشاف” البراميل، التي تمتاز برخص تكاليف التصنيع، وإمكانية الإنتاج الكبيرة، والرفق بالبيئة لأنها تعتمد على إعادة استعمال البرميل المعدنية.