خسرت ابنتيها وعادت إلى دمشق

بعد ان فقدو والديهم أصبحت نور الام والمربيه والاخت لاخيها الصغير

بعد ان فقدو والديهم أصبحت نور الام والمربيه والاخت لاخيها الصغير

"تزوجت رندة من نديم الذي يكبرها بخمس سنوات، لم تكن تعرف عنه شيئاً، سوى أنه من عائلة ميسورة الحال. وسافرت معه إلى حيث يقيم لتبدأ رحلة الشقاء هناك."

لم تكن تَعْلَم رندة طبيبة الأسنان أن زواجها من نديم متعهد المقاولات المقيم في الرياض سيدفعها للجنون.
كل ما حُلمت به هذه الفتاة المتعلمة والجميلة والمتربية في بيئة محافظة أن تؤسس أسرة كأسرتها التي تقوم على الدفء والحنان والمشاركة بين الزوجين، الزوج فيها هو رب الأسرة.
تزوجت رندة من نديم الذي يكبرها بخمس سنوات، لم تكن تعرف عنه شيئاً، سوى أنه من عائلة ميسورة الحال. وسافرت معه إلى حيث يقيم لتبدأ رحلة الشقاء هناك.
مرّ العام الأول على زواجها بهدوء وسلام. كل ما كانت تعانيه هو روتين وملل من غربة قاحلة لا تدرك فيها سوى انها مع زوجها الذي أحبّته بعد الزواج وتعلقت به، وتفعل المستحيل لإرضائه. رُزقت رندة بمولودة أنثى بعد مضي عامين على زواجها. كانت الطفلة جميلة كأمها.
ذات يوم أعلمها نديم، زوجها، أنه يريد إحضار والدته إلى حيث يقيم، كونه لا يستطيع أن يسافر إلى سوريا لرؤيتها. وفعلاً ما هو إلا شهر واحد حتى أتم الإجراءات، ووصلت والدته إليه، ومع الوقت بدأت تتكشف لرندة معالم شخصية زوجها الضعيفة أمام أمه وحبها للسيطرة عليه وامتثاله لأوامرها.
زيارة والدته القصيرة أتمت السنتين ودخلت عامها الثالث. بدأت رندة شيئاً فشيئاً بالذبول من جفاء زوجها وكثرة مشاكلها وعجزها أمام حماتها. وحَملت بمولود جديد علها تتمكن من إرضاء زوجها في طلب الولد الذكر. لكن مشيئة الله قَدرت لها أن ترزق بطفلة أخرى.
لم يتمكّن أهل رندة من التعرف على طفلتيها، فهي لم تستطع زيارتهم منذ أن سافرت مع زوجها أول مرة. حجج كثيرة كان يسوقها نديم عند طلبها السفر إليهم. أولها خوفه عليها وعلى طفلتيه. وبالمقابل لم يكن يسمح لها بأن تُحضر والدتها إليها على الرغم من أن والدته كان تعيش في كنفه.
انعزلت رندة عن صديقاتها في المغترب مبررة أن زوجها لا يملك وقتاً لزياراتها الشخصية. ولَم يبق حولها سواي ليسمع فضفضتها وأحزانها. وشيئاً فشيئاً أبعدها عني وبقيت هي وحيدة تصارع أحزانها وتكتم جروحها.
سمعت بعد فترة بالتواتر أن مشاكلهما قد إزدادت. وإنه بدأ يشتكي منها أمام أصدقائه، ليبرر في ما بعد انه قد وضعها في مستشفى الأمراض العقلية. بحجة انها جنت وتعاني من اضطراب في الشخصية.
أمضت رندة هناك حوالي الشهرين وحالتها تزداد سوءاً. لم تكن تستطيع التحدث وليس هناك من شخص قريب من عائلتها يتابع وضعها ويعرف ما جرى معها. كل ما كان يَصلني هو معلومات يقولها زوجها لزوجي وأصدقائه بدافع تبريره لما كان يجري.
اضربت رندة عن النوم وتناول الطعام ليومين متتالين وبدأت بالذبول. قرر زوجها نديم إنهاء هذه الرحلة، أكمل أوراق خروجها النهائي من المصح العقلي والمملكة العربية السعودية وحجز لها تذكرة سفر إلى سوريا.
أحضروها إلى المنزل لتوضب أغراضها الشخصية برفقة حارس شخصي من المصح العقلي، وما إن دخلت رندة إلى المنزل ورأت ابنتيها حتى احتضنتهما بقوة. ذهبت إلى غرفتها وارتمت على سريرها واحتضنت وسادتها ونامت بعمق، كجريح عاد لحضن وطنه بعد غربة لم يستطع تحملها.
وبعد ساعتين استيقظت وطلبت أن تتناول أرز الكبسة الذي اعتادت أن تتناوله في العطلة مع زوجها وابنتيها. أكلت بنهم شديد وكأنها تودع أدق ذكرياتها وحضنت طفلتيها وودعتهما بقبلٍ لا اعلم ما اذا كانت تعرف انها قُبلٍ أخيرة سُتحرم بعدها من طفلتيها لسنين.
عادت رندة إلى دمشق حيث استقبلها أهلها، وحيدة مكسورة وحزينة، لا تملك في يديها سوى جواز سفرها. غربة اختارتها رندة للبحث عن حياة أفضل من حياة الحروب. لم تكن تدرك أن فيها قسوة أقسى من كل هذه الحروب.
حال رندة كحال الكثيرات في مجتمعنا المنهكـ جرفها تيار اليأس إلى حضنه.

لانا صلاح (٣٠عاماً) من دمشق صحافية مهتمة بقضايا المرأة والطفل.