حين فقد قدميه كانت سنده
بعد ان فقدو والديهم أصبحت نور الام والمربيه والاخت لاخيها الصغير
"في أغلب الأحيان قد تكون المصيبة كبيرة، ولكن الأمل والعزيمة قادران على صنع المعجزات وإرضاخ الحياة لنا"
لم تعتد تلك البلدة على تزويج بناتها لأبناء مناطق أخرى خارج حدودها. وما إن بدأت الثورة واختلطت الدماء، حتى تلاشت الحدود التي كانت تفصل البلدات. وصار أهل المحافظات السورية كلها ينقسمون بين جهتين فقط، موالين ومعارضين.
وبدأت الزيجات بين أبناء المحافظات. وهذا ما أوصل تلك الصبية إلى ذاك الشاب. كانت من الريف الدمشقي وهو ابن حلب الشهباء. قاربت الحرب بينهما وجمعهما النصيب. فكانت خطوبتهما في ظل الأحداث السورية في بلدتها الريفية التي ألفت القصف والدمار.
بعد بضعة أشهر على خطوبتهما، حصلت الفاجعة التي غيرت حياتهما وقلبت الموازين. من فرحة عمر إلى وجع عمر…
في إحدى ليالي القصف الهمجي، وبينما كان الشاب عائداً من بيت خطيبته باتجاه بيته سقطت بقربه قذيفة هاون تطايرت شظاياها، فاستقر بعضها في جسده، وأفقدته الوعي. سارعت الفرق الطبية لإسعاف المصابين وجدوه ونقلوه إلى المشفى. هناك قرر الأطباء بتر ساقيه، لقد هشمتهما الشظايا وهشمت معهما فرحة العريس بعروسه وفرحة المستقبل.
لم تترط المخطوبة خطيبها. كانت أمام تحدٍ كبير، فإما ان تتركه بجسد مبتور وقلب مكسور، أو أن تدوس على التفكير بعقلانية وتترك لعواطفها أخذ القرار.
خريجة قسم الشريعة من جامعة دمشق تدرك عواقب قرارها. تحدت الجميع وأولهم أهلها أقربائها وبقيت إلى جانبه. كانت تزوره في بيته وتقوم على حاجاته ولا تسمح لأحد بأن يسبقها في خدمة خطيبها.
استمر الحال هكذا إلى أن ضاق الأمر بأهلها فقرروا تزويجهما. وبعيداً عن الفستان الأبيض وأهازيج الأفراح وبعيداً عن وليمة الزواج، وحتى عن تجمع بعض الأهالي للفرحة بالعروسين. تزوج الشابان وصارا زوجاً مبتور الحياة وزوجةً لديها أكثر من حياة لتقدمها للمستقبل فتكمل النقص وتصنع الأسرة …
أشرفت الزوجة على علاج زوجها، فسعت مع أهلها وأهل زوجها لتسفيره إلى مشافي لبنان. ولم تكن تفارقه لحظة حتى استطاعت الحصول على كرسيٍّ متحرك. .فصارت الصبية هي خطوات زوجها نحو الأمل. سكنت مع زوجها وأهله في الشمال اللبناني.
ورفعت حالة وضعها إلى البرامج الإنسانية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في لبنان. استطاعت أن تصل بزوجها إلى أصدقاء ساعدوهما وتعاطفوا مع وضعهما. جمعت مبلغاً من المال مع زوجها وآثرت أن تشتري له بضعاً من علب البسكويت ليبيعها وليملي وقت فراغه ويكسب أصدقاء جدد. جهزت له الغرفة المطلة على الطريق.
وصار الشاب الجاثي على الأمل، صديقاً لأغلب أهالي المنطقة وأكثر المنظمات الإنسانية هناك.
تحدت تلك الفتاة سكون قدمي زوجها وتقدمت بطلب تطوع لكليهما، هي وزوجها للعمل في النطاق الإنساني مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان في لبنان. وهما الآن عضوان فاعلان فيها.
هي اليوم تسعى لأن تصبح مدرّسة في إحدى مدارس البلدة التي تسكن فيها. غدت أسرتها اليوم مكونة من ثلاثة أطفال. وضعت كل حبها للحياة فيهم، وعلمتهم معنى التحدي والإصرار.
في أغلب الأحيان قد تكون المصيبة كبيرة، ولكن الأمل والعزيمة قادران على صنع المعجزات وإرضاخ الحياة لنا.
عائدة علوش (32 عاماً) من الزبداني في دمشق، تقيم حاليا في لبنان. أرمله منذ سبع سنوات، أم لثلاثة اطفال، تعمل كباحثة اجتماعية في مشروع الزواج المبكر. تدرس دبلوم علوم الحوسبة …