نجاح ثمنه أمومة

"أكاد أجزم أن ليس كمثل مشاعري في تلك اللحظات أحد في العالم. بين النجاح والانكسار، قاومت وعزمت سأعيد أولادي يوماً ما."

ها قد مضى على رحيله اربع سنوات، وأنا لوحدي أمام مجتمع شرقي يكبّل الأرملة بعادات وتقاليد بالية. أنا اليوم في مواجهة هذا المجتمع مع 3 أطفال صغار ومسؤليات كبيرة.
لا أملك شهادة دراسية تخوّلني التقدّم الى عمل ما، يعود راتبه عليّ وعلى صغاري، فأكتفي عن سؤال الناس… كنت ككثيرات من فتيات منطقتنا الريفية اللاتي تزوجن في سن مبكرة، فتركن الدراسة، وأصبحن ربات بيوت.
في تلك السنة قررت أن أكمل دراستي بعد أن كنت قد فارقتها قبل 13 عاماً تقريباً. انتسبت لمعهد في البلدة المجاورة … ودون إبلاغ أهلي بالأمر. فهم يرون أن الأجدر بأنثى فقدت زوجها، ترك أمورها الشخصيه والالتفات إلى تربية الاولاد، والرزق على الله.
كنت أمام تحدي الجميع. فعليّ أن أدرك أن دراستي لن تكون على حساب تربية ودراسة الصغار. كتمت الأمر عنهم، وبدأت الدراسة. كنت حينها أسكن مع اهل زوجي. هم أيضاً عارضوا الأمر في البداية. ولكن إصراري وإرادتي جعلتهم يرضخون لموضوع تعلمي.
كان المعهد بعيداً جداً عن بيتي. كنت اضطر أن أجتاز 3 حواجز أمنيه لأصله فأحضر درساً للغه الانكليزية فقط. أما باقي المواد فقد كنت أدرسها لوحدي ، كونها أدبية تعتمد على الحفظ. ومن ثم أعود إلى بيتي سيراً على الأقدام لأحضر الطعام لأولادي، وأساعدهم في واجباتهم المدرسية، وانهي مهمتي كمدرَسة معهم، ويبدأ دوري كطالبة.
مع اقتراب انتهاء ذاك العام المتعب نفسياً وجسدياً، كنت أمام مشكلة، تقديم الامتحان. لقد تحدد مكانه خارج منطقتي. أي أنا الآن أمام تحد كبير في قبول أهلي وأهل زوجي خروجي يومين أو أكثر في الاسبوع، لأعبر عدة حواجز أمنيه للوصول إلى المركز الذي سأقدم به الامتحان .
كلمت أمي لمساعدتي في إقناعهم. ولكن الامر لم يتم كما كنت أتمنى. تأزمت الأمور أكثر، عزمت على المواجهة وإكمال ما بدأت به.
اختلفت مع أخ زوجي الذي عارض بشدة حين رأى أن موضوع دراستي أصبح جدياً. وصل الحال الى تركي لمنزلهم والانتقال إلى منزل الاهلي، الذين علموا بموضوع دراستي في وقت متأخر فرضخوا له على مضض.
بدأت الامتحان في ظل ضغط نفسي شديد … فقد كان اخ زوجي يتعمد أخذ اطفالي مني قبيل يوم الامتحان، كي لا استطيع التركيز والتحضير مما يجعلني محبطة، ومرهقة نفسياً. ثم يعيدهم لي بعد يوم أو يومين … ويعاود الكرة عند كل مادة أقدمها. إلى أنتهى الامتحان، فحرمني منهم نهائياً… لقد دفعت ثمن إصراري على علمي حرماني من أطفالي .
في صيف تلك السنة، لم أكن كباقي الطالبات أنتظر نتيجة امتحاني. بل كنت أماً محرومةً من صغارها. تنتظر وعوداً من أشخاص معنيين بأمور اجتماعية في بلدتنا. كنت فقط آمل أنهم سيعيدون لي أولادي بقرار يحكم لي بحقي في الأمومة . طالما أنني في ظل مجتمع يعطيني ذاك الحق اذا ما فضلت البقاء دون زواج ثاني.
أذكر ذاك النهار تماماً. كنت على موعدين مهمين، مع خبرين مفصلين في حياتي. ولسوء حظي وتعاستي، جاءني الخبر السيئ أولاً.
رنّ هاتفي، وإذا بصوت أخ زوجي على الطرف الآخر يقول: “لا أولاد لكِ عندنا”. الأمر الذي كان وقعه عليّ كالصاعقة …لا أدري هل من مفردات تترجم إحساسي حينها! ولم يغير هاتف صديقتي بعد ساعة من أحزاني شيئاً، حين زفت لي خبر نجاحي في الامتحانات، وحصولي على الشهادة التي دفعت ثمنها أمومتي.
أكاد أجزم أن ليس كمثل مشاعري في تلك اللحظات أحد في العالم. بين النجاح والانكسار، قاومت وعزمت سأعيد أولادي يوماً ما.
وللقصه بقية…