حوّل بيته إلى مركز مجاني لتعليم اللغة الإنكليزية

محمود العبي مع طلابه في المركز

على وقع أصوات القصف والإنفجارات يواصل محمود العبي تدريس مجموعة من الأطفال اللغة الإنكليزية. في مركزه المتواضغ يقرأ ويرددون خلفه علّ صوتهم يعلو على أصوات غارات الطائرات ومخلّفاتها.

جاءت فكرة مركز “نيو داي” بعد عجز العبي مدرس اللغة الإنكليزية (37 عاماً) من ممارسة شغفه في التعليم من خلال دخول المدارس التي تتبع للائتلاف الوطني السوري. لذلك قام وبشكل فردي باستئجار منزل مؤلف من عدة غرف لتحويله إلى مركز لتعليم الأطفال مجاناً المحادثة الإنكليزية.

العبي ومع دخول منطقة ريف إدلب الجنوبي مرحلة حرجة من القصف بأنواعه الجوي والبري على القرى والمدن، فضّل البقاء في المدينة، ونقل مركزه إلى منزله المتواضع في أحد أحياء المدينة البعيدة عن مركزها.

يقول العبي: “اضطررت لنقل المركز إلى منزلي بسبب اشتداد وتيرة القصف على الحي حيث المركز. ومع نزوح المدنيين من المدينة، بدأت أعداد الطلاب تتناقص تدريجياً حتى أصبحوا 50 طفلاً وطفلة فقط، مع ذلك، وحتى لو بقي طالب واحد سأستمر في المركز”.

لا يتلقى مركز نيو داي أي دعم مادي من أي جهة. أنشأه العبي على نفقته الخاصة، ويعتمد في تقديم الكورسات على منهاج أمريكي على 6 مستويات. يقول العبي: “لم أحاول أبداً استجرار دعم لمركزي، ولا أعلم كيف من الممكن أن أتلقى دعماً للمركز. حالياً أركز على تعليم الأطفال الذين بقيت عائلاتهم في المدينة، وأحاول قدر الإمكان تأمين مساحة آمنة يستطيع فيها الأطفال التعلّم، ونسيان أصوات الحرب التي تدور خارجاً”.

يضيف العبي: “حاولت جاهداً اتباع الطرق الحديثة في التعليم، لإيماني بعدم قدرة الوسائل القديمة المتبعة في المدارس من إيصال الفكرة، لذلك قمت بشراء جهاز إسقاط واعتمدت على التعليم البصري الذي يعتمد على إيصال الفكرة من خلال الصورة”.

يعاني المركز الذي اقتصر حالياً على غرفة واحدة جهزها العبي بمقاعد بسيطة ولوح واحد من عدة مشكلات، تتمحور حول خوف الأطفال من القصف وصوت الطائرات المستمر في المدينة، ما يشتت انتباههم وتركيزهم أثناء الصفوف.

يحاول محمود جاهداً إخراج الأطفال من جو الحرب، ودعمهم نفسياً من خلال اللعب وإطلاق النكات. يقول العبي: “أحاول قدر الإمكان إشغالهم عما يجري في الخارج من معارك، وتأمين مساحة صديقة لهم، اعتمد في ذلك على طرائق حديثة مثل التعليم باللعب، وإطلاق نكات ساخرة من أصوات الطائرات البعيدة نسبياً”.

الطفلة ندى الدامور تعبر عن فرحتها بالألوان التي غطت القاعة الصغيرة واجتماعها مع بعض الأطفال والأصدقاء الجدد بعد أن نزح أصدقاؤها في الحي بسبب الحرب. تقول ندى: “أشعر أحياناً بالخوف عند سماع صوت الطائرات، ولكن نحن هنا مجموعة من الأطفال نتعلم اللغة، كنت أكره الإنكليزية، لكن اليوم أنا سعيدة بتعلمها، لأن الأستاذ يعلمنا إياها بطريقة رائعة جدا وممتعة”.

من جهة أخرى العائلات التي لم تستطع النزوح وفضلت البقاء في المدينة، ترى في المركز فرصة جيدة لتعليم أطفالهم بعد إغلاق جميع المدارس بسبب القصف المستمر. يقول محمد الدندوش والد إحدى الطالبات في المركز: “لم يعد هناك مدارس. أغلقت جميعها وعندما سمعت بمركز نيو داي سارعت لتسجيل طفلتي حنين فيه، وجدت فيه فرصة حقيقية لتعليمها اللغة الإنكليزية، وهي أيضاً تبدي تجاوباً كبيراً خلال الحصص الدراسية التي تتلقاها”.

لم يتوقف مركز نيو داي عند تقديم كورسات للأطفال، بل أطلق دورات خاصة ومجانية لطلاب الثالث الإعدادي بمادة اللغة الإنكليزية، وبحسب العبي تقدم هذه الدورات للطلاب الذين ينتمون لعائلات فقيرة لا تستطيع تسجيل أطفالها في دورات خاصة مكلفة.

يحاول العبي حالياً تقديم التعليم للأطفال في أكثر المناطق خطراً في سوريا، ويبحث عن قنوات تمكنه من الحصول على دعم لوجستي يستطيع من خلاله توسعة المركز. ويوضح العبي: “جلُّ همي حالياً هو الاستمرار في التعليم، على الرغم من عدم قدرتي على طباعة الأوراق الخاصة بالصفوف، ليس لأنني لا أمتلك مالاً لطباعتها، بل لأن جميع المطابع أغلقت أبوابها بسبب القصف، أبحث حالياً عن منظمات ممكن أن تساعدني في تقديم الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال، وتقديم الدعم المعنوي لهم”.

يتلقى العبي وعوداً عدة بتوسعة مركزه، وخاصة من قبل منظمة اتحاد المكاتب الثورية العاملة في المدينة، وتدير برنامجاً تعليمياً للأطفال يضم عدة مراكز، ولكن مع اشتداد القصف ونزوح المدنيين عن المدينة، توقف عمل المنظمة في مجال التعليم مؤقتاً.

ويشير العبي: “طرحت على عدة منظمات مقترح توسعة المركز أو قيامي بتقديم كورسات ضمن مراكزهم، ورحبت منظمة اتحاد المكاتب الثورية بذلك، ولكن وبسبب ظروف الحرب علق عمل المنظمة في مجال التعليم، ما زلت انتظر عودة الحياة إلى هذه المدينة، وحتى ذلك الوقت لن أتوقف نهائياً عن تعليم ما تبقى من أطفال فيها حتى يفارقني الموت”.