حنان أم طليقة تنتظر عودة أولادها

.تكثر حالات الطلاق بين النازحين تصوير رزان السيد

منذ أيام زواجها الأولى بدأت حنان(18 عاماً)تتعرض لسوءالمعاملةمن قبل زوجها مروان (28 عاماً).لم تكن مقتنعة به وبالزواج منه سابقاً،لكنها رضيت مرغمة تحت إصرار والدتها على تزويجها قبل أن يفوتهاقطار الزواج وتصبح عانساً بنظر مجتمعها.

ألفاظ بذيئة، ضرب واهانات اعتادت حنان على تلقيها من زوجها الفظ.تأقلمت مع وضعها وكتمت مشاعرها ورغبتها بالخلاص من زوجها أمام أهلها لمعرفتها المسبقة بردة فعلهم ومقولتهم المعهودة:”على الزوجة أنتصبر على زوجها، لا أن تطلب الطلاق عند كل مشكلة، فلو حصل هذا لما بقيت امرأة عندزوجها”.

زوج حنان كان موظف عسكري لدى النظام في حلب، واضطرت حنان لمرافقته إلى هناك والإقامة معه بحكم عمله.تاركة قريتها كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، لتسكن في بيت صغير وسط ضجيج المدينة وازدحامها.

طحنتها الغربة وزادت معاملة زوجها قساوة بعد أن غدت بعيدة عن أهلها وعالمها.أنجبت حنان فتاتين وولد وأسمتهم ريم ومها وملهم، حاولت تحمّل تصرفات زوجها من أجلهم،فهي لا تقوى على فراقهم مهما ظلمها الزوج وظلمتها الأيام.

في بداية الثورة السورية ازداد سلوك زوجها البشع، وكلما أرادت حنان أن تظهر له ظلم النظام ومطالب الثورة المحقة، كانيباغتها بلطمة على وجهها تجرح كبريائها وتشعرها بقلة قيمتها، فما كان منها إلا الصمت،والإكتفاء بدور المستمعة لبطولاتزوجها المزعومة وقمعه الشعب المكلوم مع غيره من الشبيحة(تسمية كانت تطلق على المتعاونين مع النظام السوري) .

ذات يوم عاد الزوج مع حنان وأبنائهماإلى القريةفي زيارة لأهله.قطع عليه الطريق ملثمون واقتادوه إلى جهة مجهولة، وتركوا حنان والأولاد يكملون رحلتهمإلى القرية بإحدى سيارات الأجرة.

بعد الحادثةبشهرينعاد مروان بمظهر آخر وأفكار أخرى.كانت جبهةالنصرة هي من قامباختطافه للانتقام منه، ولكنه تمكن من إقناعخاطفيهأنه منشق عن النظام وهو مادفعه لمغادرة حلب والعودة إلى قريته مع عائلته.

وانتسب مروان لجبهة النصرة، انقلب مظهره الخارجي رأساً على عقب.قام بتربية لحيته حتى غدت طويلة أكثر بكثير من المعتاد، وغير ملابسهفارتدىثوباًطويلاًحتى الركبتين وبنطالاًفضفاضاً، حتى أفكاره بدت أكثر عدائية للنظام.

لم يكن شكل الزوج فقط ما تغير وإنما وضعه المادي جيبه أيضاً.أصبحت الأموال كثيرة بين يديه، كيف وأين ومتى لا تدري حنان.كل ماتعرفه أن حياتها ستكون أفضل مع كل تلك الأموال، وفعلاً بدأ مروان ببناء بيت كبير لإيواء عائلته التي أتعبها التنقل بين البيوت المستأجرة.

أصبح لحنان بيتهاالكبير والجميل.بيت لم تكن لتحلم به يوماً.تغيرت حياتها وأصبحت تستطيع شراء ما تريده من حاجيات لطالما حلمت بشرائها، ملابس جديدة، أدوات مطبخية، الألعاب لأطفالها.كل شيء تغير في حياة حنان ماعدا معاملة زوجها لها، فهو لازال يعنّفهالأتفه الأسباب، ومع ذلك فحنان لم تكن تريد لشيء أن يعكر تفاؤلها بمستقبل قد يكون أجمل.

تذكر حنان يوم دخل زوجها مروانعليها الغرفة،ليخبرها بضرورة تجهيز نفسها والأولاد فلديه سفر طارئ،وسيقوم بإيصالها لمنزل أهلها لبعض الوقت.سارعت حنان ونفذت ما طلب منها.لتتفاجأبعد عدة أيام بإتصال هاتفي من إحدى قريباتها تخبرها فيه بأن زوجها تزوج عليها بأخرى، وهي الآن في منزلها وتستعمل أثاثها الذي جهدت حنان لشرائه قطعة قطعة.

كانت الصدمة كبيرة عليها، فلطالما صبرت عليه وعلى ضربه لها وعلى فقره وبخله لسنوات، وحين تحسنت أوضاعه المادية تزوج عليها.لم تستوعب حنان كيف لزوجها أن يكون قاسياً إلى هذه الدرجة وكيف له أن يجرحها ويهينها إلى هذا الحد.

ومع كل ذلك لم ترغب حنان بالطلاق،وآثرت العودة معه حين يعود لاصطحابها مع الأولاد.لكنه لم يأت، لم يكلمها حتى هاتفياً ولم يرسل بطلبها.بل أرسل بطلب الأولاد فقط، ووكل من يخبرها بأنها طالق.

كلمة واحدة كانت كفيلة بجعل حنان تخسر أولادها،وتخسر معهم سنوات عمرها التي تحملت فيها قسوة زوجها على أمل تحسين أوضاعها وتغيره ذات يوم.

لم يكتف الزوج بتطليق حنان وإنما منعها حتى من رؤية أبنائها لأكثر من عام رغم كل محاولاتها لرؤيتهم، فما كان منها إلا أن لملمت جراحاتها وقررت أن تبحث عن حقها برؤية أبنائها في أروقة محاكم ريف إدلب الشرعية.

وفعلاً كسبت الدعوىوسمح لها برؤيتهم مرة كل شهر.أولادها فلذات كبدها الذين تذوقوا الأمرين على يد زوجة أبيهم من تعذيب وحتى الحرق، لتضمن انصياعهم لأوامرها وخضوعهم لها.لا يمكن لحنان أن تنسىطوال حياتها كلها كيف استيقظت ابنتها ريم في الليل خائفة وهي تصرخ: “ماما حرقتني ولم أكن قد فعلت أي شيء”.عبارة كسرت حنان وجعلتها تبكي طيلة الوقت، بكت وبكت حال أبنائها وقلة حيلتها اتجاههم واكتفت بالقول:حسبي آلله ونعم الوكيل.

حنان اليوم نازحة مع أهلها إلى المناطق الشمالية من إدلب بعد الهجمة العسكرية الشرسة الأخيرة على مناطق ريفي إدلب الجنوبي وحماه الشمالي، لم تعد ترى أبنائها مرة كل شهر لعدم معرفتها بمكان نزوح أبيهم مصطحباً إياهم معه، وتتساءل باستمرار بلهجة يائسة: “لا أعلم إن كان هذا الوضع سيطول أكثر وما إذا كنت سأراهم مرة أخرى ذات يوم”.

حنان ربحت حق رؤية أبنائها وربحت حريتها من هكذا رجل وهي اليوم أقوى من الأمس وتنتظر عودة أبنائها إلى حضنها كما كل أم.