حملة شبابية تدعو إلى إيقاف القتل

وقفت ريما دالي أمام مبنى البرلمان السوري الواقع وسط العاصمة دمشق. سكبت الناشطة طلاءً أبيض على ثوبها الأحمر ثم رفعت لافتة قماشية كتبت عليها بالأبيض والأحمر “أوقفوا القتل! نريد أن نبني وطناً لكل السوريين.” طالبت ريما مع ناشطين آخرين بكل سلمية إيقاف القتل وإراقة الدماء من جميع الأطراف، بما في ذلك المعارضة، فأتى رجال الأمن والشرطة واعتقلوا المشاركين في الإعتصام عاصم حمشو وريما دالي وسيلفانا بقلة. سُجنت ريما لمدة ثلاثة أيام ثم مثلت أمام القضاء الذي قرر الإفراج عنها بدون توجيه أيّة تهمة إليها. قضت سيلفانا أسبوعاً في السجن ثم حُوّلت أيضاً إلى القضاء الذي قضى بالإفراج عنها. أما مصير عاصم حمشو فما زال مجهولاً إلى اليوم.

كانت وقفة البرلمان في 8 نيسان/أبريل الماضي المبادرة الأولى التي قام بها ناشطو حملة “أوقفوا القتل”. ورغم الإعتقال، لم ييأس النشطاء وقاموا بتحركات مشابهة، منها أمام قصر العدل في دمشق يوم 10 نيسان/أبريل حيث ارتدى الناشطان حسام الدهنة وعلي الزين ألبسة حمراء ورفعا اللافتات ذاتها، فقامت عناصر الشرطة باعتقالهما وتحويلهما إلى القضاء. وفي اليوم نفسه، قامت مجموعة من الناشطين السلميين بالوقوف أمام مبنى البرلمان مرة أخرى مغلقين الشارع ورافعين اللافتات ذاتها وانتهت الوقفة هذه المرة سلمياً دون حدوث أي اعتقال. وفي ذكرى عيد الشهداء 6 أيار/مايو قام ناشطون بتنظيم اعتصام لمدة خمس دقائق في ساحة المحافظة وسط المدينة حول تمثال يوسف العظمة الذي استشهد في معركة ميسلون عام 1920 في مواجهة الجيش الفرنسي. واعتقلت الأجهزة الأمنية السورية تسعة أشخاص من أمام قلعة دمشق لاعتصامهم سلمياً حداداً على أرواح قتلى تفجيرات دمشق، وأفرج عنهم في اليوم التالي .أما النشطاء الذين اعتقلوا في اعتصام البرامكة فما زالوا رهن الإعتقال التعسفي إلى الآن.

إنبثقت هذه الحملة عن مبادرة سابقة قام بها ناشطون شباب لدعم مدينة حمص وسكانها بعد محاصرة الجيش السوري لبعض أحيائها وحملت المبادرة آنذاك اسم “حمص في قلوبنا”. ولا ينتمي أعضاء الحملة الجديدة “أوقفوا القتل” إلى تنظيمات حزبية أو تيارات سياسية. العنف المتزايد والقتل اليومي دفع الناشطين إلى طرح هذه المبادرة التي امتدت خلال الأسابيع الماضية إلى مختلف أرجاء سورية. فُرفعت اللافتات المطالبة بوقف القتل وبناء وطن لكل السوريين في العديد من المحافظات السورية مثل حلب وحمص وحماة والقامشلي. ورحبت بعض التيارات المعارضة بهذه الحملة، وهي “هيئة التنسيق الوطنية” و”تيار بناء الدولة السورية” و”ائتلاف شباب التغيير السلمي في سوريا”، بينما لم يُصدر “الجيش الحر” أي موقف تجاه الحملة.

ويقول ناشط من مدينة داريا بريف دمشق أنّه مستعد لرفع لوحات بالأحمر والأبيض في كل أنحاء سوريا ويضيف الناشط الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: “ريما الدالي التي رفعت هذه الراية أمام البرلمان والشباب والصبايا الذين رفعوها أمام محكمة العدل وفي مركز الشام سنتر التجاري هم منا، يشبهوننا ويحسون بما في قلوبنا وامتلكوا الشجاعة ليرفعوا هذه اللافتات أمام الجميع”. ويصر الناشط على رفع عبارة أوقفوا القتل في كل الأماكن: “سأرفعها في التظاهرات التي سأخرج إليها، سأرفعها على شرفات المنزل وأعمدة الكهرباء، سأرفعها أمام الناس في المراكز التجارية، سأنشرها على الأرض وألصقها على الحيطان، سأعلقها على السيارات وأبواب البيوت، وإن لم أستطع سأرفعها في بيتي وبين عائلتي.”

الشابة ألمى سلام شاركت أيضاً في الحملة وقامت بتوزيع ورود تحمل ورقة كُتب عليها “أوقفوا القتل” على المواطنين. وتشرح ألمى السبب الذي دفعها إلى الخروج إلى الشارع وتقول: “عندما يصبح القتل أمراً عادياً تقف جميع الكلمات والأرواح لأقول لهم أوقفوا القتل. ”

يصف الناشط الصحفي شيار خليل حملة “أوقفوا القتل” بأنها خطوة لدعم حركات النضال اللاعنفي وإيصال رسالة إلى الشعب السوري والعالم بأن المشاركين فيها يقفون ضد صوت الرصاص ويسعون من أجل حل سياسي بعيداً عن العنف ويضيف خليل قائلاً: “هذا الحراك المدني يشير إلى أنّ روح المدنية ما زالت موجودة، وأنّ هناك شباباً سوريين ناشطين ومستقلين يعلنون رفضهم للقتل في بلادهم.” ويرفع الناشطون شعارات أخرى مثل المطالبة بإيقاف الإعتقال التعسفي وإطلاق سراح المعتقلين السوريين بالإضافة إلى التذكير بالمعتقلين المنسيين الذين لا يتبنّاهم أي تيار سياسي. ويشير خليل إلى استعمال تكتيكات جديدة مثل جمع تواقيع في كل المحافظات السورية ابتداءً من 6 آيار/مايو حتى 6 حزيران/يونيو ليتم في هذا التاريخ إعلان يوم السلم الأهلي من قبل القائمين على الحملة.

ترى ريما دالي أنّ المجتمع السوري على حافة الإنهيار والحملة التي تشارك بها موجهة إلى القيم الأخلاقية التي يمثلها هذا المجتمع وتدرك أن هذه الحملة لا تستطيع وحدها أن تخلق حالة من التوزان أو أن تقوم بتحقيق العدالة، “إلا أنّها تهدف الى خلق بيئة مناسبة للوصول إلى وطن يجمعنا كلنا،” تقول ريما. وتشير الناشطة إلى أنّ هناك الكثير من الحملات والمبادرات التي من الممكن إطلاقها للوصول الى تغيير حقيقي في الدولة دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير المجتمع. ولا تريد دالي في الوقت الحالي الإفصاح عن مشاريعها المستقبلية خوفاً من ملاحقات أمنية محتملة.

حملة “أوقفوا القتل نريد أن نبني وطن لكل السوريين” مازالت مستمرة في العديد من الأماكن داخل العاصمة دمشق وخارجها، رغم خطر الإعتقال الذي يتربّص بالمشاركين الذين يتمسكون بالطريق السلمي للوصول إلى الدولة المدنية المنشودة .