حملة “حمص في قلوبنا” تُؤجل ثم تلغى لأسباب أمنية

إنطلقت الحملة من سؤالٍ بسيطٍ طرحته إحدى الشّابات خلال اجتماعٍ شمل ناشطين سوريين في دمشق: “ماذا عن العائلات الحمصيّة التي تركت منازلها ولم يبقَ لها أيّ مردودٍ ماديٍ أو حتى دعمٍ معنوي؟” تألّف الإجتماع من شبابٍ ناشطٍ سياسياً، معتقلين سابقين، وأعضاء في أحزاب معارضة مثل “تيّار بناء الدولة السوريّة” وبعض الأحزاب الكردية و”هيئة التنسيق الوطنية”. دخل الشباب في نقاشٍ فيما بينهم وولدت فكرة تأسيس حملة “حمص في قلوبنا”.

“أردنا أن نوصل رسالتين في آنٍ واحدٍ،” يقول أحد المشاركين في الحملة ويستطرد قائلاً: “الرسالة الأولى موجّهة إلى النظام الذي فرض رقابةً شديدةً على مدينة حمص وتقول  إنّنا قادرون على تحدي السّلاح المستخدم ضد المدنيّين. أما الرّسالة الثانية فموجّهةٌ إلى أهالي مدينة حمص المنكوبين. نريد أن نبلغهم أنّهم ما زالوا في قلوبنا وجئنا نحمل لهم المحبة.”

تنظيم حملةٍ إغاثيّةٍ في الأجواء السياسيّة المخيّمة حالياً على البلاد مبادرةٌ لا تخلو من المجازفة. “عندما قرّرنا الذهاب إلى حمص لم نضع أمام أعيننا الإعتقال فقط وإنما القتل أيضاً،” يقول أحد الناشطين. ولكن رغم هذه المخاطر، بدأت الإستعدادات للتعريف بالحملة من خلال صفحات “الفيسبوك” والتحدّث إلى وسائل الإعلام والإعلان عن عددٍ من أرقام الهواتف من أجل جمع التبرّعات. واتّصل الشباب ببعض الشخصيات الفنيّة لمساعدتهم في جمع التبرعات والدعاية للحملة من أمثال المخرج ليث حجو والفنّان نضال سيجري، الذي واكب الحملة حتى اللّحظات الأخيرة.

ويستغرب أحد الناشطين في “حمص في قلوبنا” أنّ هذه الإستعدادات لم تتعرّض لأية مضايقةٍ أمنيةٍ. فقد كان الشّباب يقومون بجلب التبرعات والمواد الغذائية بشكل علني إلى مكتب “تيار بناء الدولة السورية”، كما كانوا يتحدّثون إلى وسائل الإعلام بأسمائهم الحقيقية: “صدقاً لا أملك جواباً صريحاً حول عدم تعرّض الحملة إلى أية مضايقات، لكن أعتقد أنّهم لم يتوقعوا أن يكون هناك شباب سوري مستعد فعلاً للذهاب إلى حمص وتحدي كل الظروف القاهرة واعتقدوا أنّ هذه الحملة لن تذهب.”

ويؤكّد المسؤولون عن “حمص في قلوبنا” أنّ الحملة لم تحصل على أيّة موافقة أمنية وأنّهم لم يكونوا يرغبون في الحصول عليها أصلاً، لأنّ تدّخل الأجهزة الأمنية، حسب قول أحد الناشطين، كانت ستفقدهم المصداقيّة في الشارع السوري: “أردنا تحدي الظروف الأمنية والذهاب إلى حمص مُحمّلين بالمواد الغذائية على الرغم من المخاطر الكبيرة علينا.”

وقام النشطاء بالإتصال بالمجموعات الشبابية والتنسيقيّات المعارضة في حمص والإتصال بالهلال الأحمر من أجل استقبالهم عند مدخل المدينة ومساعدتهم في الدخول إلى الأحياء المحاصرة من أجل توزيع السلات الغذائيّة على المواطنين.

وكان من المخطّط أن تنطلق الحملة بتاريخ 1332012 إلا أنّ المجزرة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية والشبّيحة في حي “كرم الزيتون” حالت دون ذلك. وتمّ الاتفاق في اللّحظات الأخيرة على تأجيل الحملة، ممّا أدّى إلى خلافٍ بين أعضاء اللجنة المنظّمة بخصوص تأجيلها أو الذهاب إلى حمص. لكنّ الأغلبية كانت على يقينٍ أنّ هذا التأجيل لمصلحة الحملة لأنها ستزيد من كمية المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية المقدّمة من قبل المواطنين. وهذا ما حصل بالفعل، حسب ما يؤكده جوان، أحد أعضاء اللجنة المنظمة: “بعد التأجيل قدّم لنا المواطنون الكثير من المساعدات وازداد عدد الراغبين في الذهاب معنا إلى حمص، وكثّفنا التواصل مع وسائل الإعلام لحماية الحملة من أي بطشٍ سلطويٍ محتمل.” في حين تؤكد ريما، العضوة في اللجنة المنظمة التي اعترضت على فكرة التأجيل، بالقول: “نحن أردنا الذهاب إلى حمص لأنها محاصرة وهناك قتل للمواطنين العزّل، ولا نريد الذهاب إليها في أوقات الفرج.”

واتّفق أعضاء الحملة على موعدٍ جديدٍ من أجل الإنطلاق إلى مدينة حمص. وفي اليوم المحدّد تجمّع المشاركون في القافلة، والّذين تجاوز عددهم المئة، في الساعة السابعة صباحاً من يوم 19/3/2012 على أتوستراد العدوي في مدينة دمشق، برفقة ثلاث شاحناتٍ تحمل مواد الإعانة التي تمّ جمعها من تبرّعات السوريّين، والتي تشتمل على مواد غذائيّة وأغطية وفرش. وفي الوقت الذي كان المشاركون يعلّقون اللافتات على السيارات ويهمّون بالإنطلاق، حضرت دوريّاتٌ أمنيةٌ وأوقفت القافلة. وطلب المسؤول الأمني من المنظمين مراجعة قيادة شرطة محافظة دمشق من أجل الحصول على الموافقة. فذهب وفد من اللجنة المنظمة للقاء عددٍ من الجهات والشخصيّات الحكوميّة والأمنيّة، ولكن لم تسفر تلك المفاوضات التي استمرت اثنتي عشرة ساعة عن أية نتيجة ولم توافق الجهات الأمنية على انطلاق القافلة. وما كان من اللّجنة المنظمة سوى القبول بتسليم الشحنة إلى الهلال الأحمر السوري على أن يسلمها إلى فرع الهلال الأحمر في حمص، الذي سيتعاون بدوره مع اللجنة المنظمة لقافلة “حمص في قلوبنا” لتسليم المعونات إلى الجهات التي يختارونها في المدينة.

على الرغم من الإجراء الأمني الذي منع القافلة من التوجه إلى حمص إلا أنّ جميع الأعضاء شعروا بنجاح مهمّتهم ووصول الرسائل التي أرادوا توجيهها إلى سكان مدينة حمص والسلطة على حدّ سواء. وقال أحد اعضاء اللجنة المنظمة: “إنّ نجاح هذه التجربة على جميع الأصعدة جعل المشاركين يتّفقون على مواصلة نشاطاتهم المدنيّة الشبابيّة، وسيقومون في المستقبل القريب بعددٍ من النشاطات في إطار الإغاثة.”

وتفكّر المجموعة في المرحلة القادمة بتخصيص حملةٍ لتوزيع المساعدات الغذائية والإنسانية على العائلات التي فرّت من حمص وإدلب وغيرها من المناطق السوريّة الّتي تتعرّض للقصف إلى مدينة دمشق. فتوزيع تلك المساعدات داخل العاصمة أسهل من الذهاب إلى المناطق الأخرى.