حملات التشجير تعيد الحياة والاخضرار إلى إدلب وريفها
متطوعو بنفسج يشاركون في حملة التشجير تصوير سونيا العلي
"شهد طفلة في العاشرة من عمرها، تشعر بسعادة عارمة وهي تحفر الأرض بيديها الصغيرتين لتضع غرستها ثم تسقيها بالماء وتحيطها بكل رعاية وعناية"
مساحات واسعة من البلاد فقدت رونقها وجمالها وغطاءها النباتي، نتيجة القصف العنيف والتحطيب الجائر خلال سنوات الحرب. وبعد أن كان أهم ما يميز الطبيعة في إدلب وريفها الوجود الكثيف للغابات والأحراش الزراعية، ونتيجة غلاء المحروقات والأحوال المادية المزرية، أصبحت الغابات هدفاً لكثير من المواطنين للقيام بعمليات التحطيب وتحويلها إلى وقود للتدفئة والطهو.
إحساساً منهم بفداحة هذه الخسارة، نفذ ناشطون ناشطون في محافظة إدلب حملات تشجير لزيادة عدد الأشجار والمساحات الخضراء داخل المدن والمناطق السكنية والمناطق القاحلة والجافة، من خلال غرس الشجيرات الصغيرة والغراس ضمن خطة زراعية واضحة .
انطلقت حملة ربيع سراقب للتشجير في شهر شباط/فبراير 2017، تحت شعار “نغرس شجرة نبني وطناً”. هذه الحملة نظمها المجلس المحلي بالتعاون مع مؤسسة إكثار البذار. وبمشاركة عدة فعاليات كفرق الدفاع المدني والشرطة الحرة التي قامت بتأمين معدات الحفر والماء لري الغراس، بهدف إعادة المدينة كسابق عهدها قبل تدمير القصف لها. وإظهار الوجه الحضاري للمدينة وخلق روح التعاون بين كافة الفعاليات من خلال عودة العمل الجماعي.
مدير مؤسسة إكثار البذار في إدلب المهندس عمار المحمد ( 39عاماً ) يقول لحكايات سوريا: “شملت الحملة مناطق عديدة من محافظة إدلب، وهذا المشروع من شأنه الحد من تقلص مساحات الأحراج التي تضاءلت في الفترة الأخيرة. ولمنع انتشار التصحر في إدلب. وتعويض جزء من الثروة النباتية التي فقدتها المحافظة، حيث قمنا بإنشاء مشتل تابع للمؤسسة بإشراف مهندسين زراعيين مختصين، بهدف تشجير المناطق والمساحات المتضررة في إدلب. وقد قمنا بزراعة 2000 غرسة في كافة أرجاء مدينة سراقب والأحياء والطرقات والأملاك العامة.”
ويؤكد المحمد بأنه تم اختيار غراس الصنوبر الثمري والسرو كونها تعيش لسنوات طويلة وتستطيع أن تقاوم تقلبات المناخ من حر وبرد وكذلك الآفات والحشرات، إضافة إلى كونها سريعة النمو تمد جذورها عميقاً في التربة لتمتص الماء والعناصر الغذائية. وفي نفس الوقت تكون لها غصوناً وفروعاً ممتدة لتوفر الظل والزينة .
أما في مدينة بنش فقد ترافقت حملة التشجير مع ترحيل أنقاض الدمار من الشوارع، والاستفادة منها في تحسين الطرقات الترابية الموجودة ضمن المخطط العمراني، إضافة لحملة إعلامية على الجدران لإعادة روح الثورة إلى الشوارع. والقيام بتزفيت الطرقات في نهاية الحملة، في محاولة لإحياء النشاط المدني السلمي والتركيز على أهميته ودفع الناس إلى ساحة العمل التطوعي .
منظمة بنفسج من جهتها رعت مشروع “غرسة أمل” لتوزيع 5000 غرسة حراجية على مدن إدلب ومعرة النعمان وجسر الشغور وأريحا بالتعاون مع البلديات في هذه المدن. يقول أبو عبدالله ( 37عاماً ) عضو في المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان: “حرقت مساحات كبيرة من الأراضي الحراجية المشجرة نتيجة القصف الذي خلف حرائق كبيرة امتدت على مساحات واسعة. كما قامت قوات النظام أثناء تواجدها في المدينة بافتعال الكثير من الحرائق لتكشف للطائرات الأماكن الجبلية التي يتمركز فيها الثوار والمقاتلون، مما أدى إلى حرق أكثر من نصف عدد أشجار الأحراش الجبلية غربي المدينة، وجعل غابات بأكملها تخلو من أشجارها. كما أخذ قطع الأشجار في الفترة الأخيرة شكلاً جائراً وغير منظم،الأمر الذي بات ينذر بزوال الغابات عن خارطة المحافظة”.
ويتابع أبو هبدالله قائلاً: “جاءت الحملة لوقف استنزاف الثروة الطبيعية. وترافقت مع حملات توعية حول مخاطر التحطيب. وتم تسليم المجلس المحلي دور متابعة الغراس والحفاظ عليها من خلال سقايتها بالماء صيفاً ومنع الرعي في الغابات المزروعة حديثاً .”
وتهدف هذه الحملات إلى تشجيع الشباب على المساهمة في العمل والإنتاج. الأمر الذي يشعرهم بقدرتهم على زرع الأمل والحياة، من خلال العمل الذي يعود بالنفع على المدينة والمجتمع ككل، والمساهمة في التخفيف من آثار الحرب القاسية على المحافظة .
عمران الأصفر ( 22عاماً) هو أحد المتطوعين في حملة التشجير يتحدث عن ذلك قائلاً: “تعتبر الحدائق العامة والأحراش متنفس الحياة بالنسبة للمواطنين وخاصة في المدن، فاللون الأخضر يرمز للخير ويضفي على النفس الشعور بالجمال والراحة النفسية. ويلجأ من يعاني ضغوطات الحياة إلى الطبيعة الخضراء لذلك كانت المشاركة في حملة التشجير واجب على كل مواطن، لأنها تعتبر أول خطوة في إعمار بلدنا، وقد وجدت في هذا العمل التطوعي جهاداً بأسلوب آخر له لذة خاصة بعيداً عن روتين الأعمال الوظيفية وأجره عند الله أعظم من أي لقاء مادي.”
وكان للأطفال مشاركتهم في عمليات التشجير في مدينة إدلب حيث قام تلاميذ المدارس بغرس بعض الأشجار في حدائق مدارسهم لإعادة الحياة والجمال إليها.
تقول المعلمة غادة (30 عاماً) التي أشرفت على هذا العمل: “مشاركة الأطفال كانت بهدف زراعة الأمل والبسمة في قلوب الأطفال الصغيرة ولممارسة دورهم في نهضة البلاد من جديد وليكونوا يداً تساهم في إعمار بلادهم. وأول خطوة في طريق بناء سوريا المستقبل بعيداً عن أفكار الحرب وحمل السلاح، ولتظل المدارس منارة لأفئدة الأطفال ومنهلاً يستقوا منه علومهم ومعارفهم .”
“تأتي هذه الحملات لتثبت أن إرادة الشعب لن تموت، ولتظل إدلب خضراء كما أحب السوريون أن يطلقوا عليها، وليظل الأمل الذي يتسلح به الشعب يتحدى اليأس والدمار وبراميل الموت، الأمل بغد أفضل يحمل السلام والخير لوطن أنهكته الحروب”.بهذه الكلمات ختمت المعلمة غادة حديثها.
شهد طفلة في العاشرة من عمرها، تشعر بسعادة عارمة وهي تحفر الأرض بيديها الصغيرتين لتضع غرستها ثم تسقيها بالماء وتحيطها بكل رعاية وعناية: “نأمل أن تكبر هذه الغراس ويكبر معها الأمل بعودة الأمان والاستقرار إلى بلادنا”.