حالات الشلل الدماغي في كفرنبل همٌ بلا اهتمام
مصطفى الجلل
افتتاح مراكز عناية خاصة في المنطقة يحتاج إلى عناصر مؤهلة ولديها خبرة وهذا الأمر غير متوفر حالياً ويحتاج إلى تمويل ضخم
(كفرنبل- سوريا) مدرّس التربية الرياضية مدرب فريق كرة القدم في نادي كفرنبل أبو محمود (49 عاماً) كان يحلم أن يصبح ولده الأول لاعباً مشهوراً، نجماً من نجوم كرة القدم, ذهب حلمه أدراج
الرياح عندما علم أن ابنه أصيب بالشلل الدماغي نتيجة نقص الأوكسجين أثناء الولادة.
يبلغ عدد حالات الشلل الدماغي في مدينة كفرنبل 62 حالة بحسب إحصائية صادرة عن منظمة اتحاد المكاتب الثورية، ثلثها من الإناث, تصل أعمار بعضهم إلى 50 سنة، ويبلغ عدد السكان 31 ألف نسمة بحسب دائرة السجل المدني في كفرنبل.
يعرّف أخصائي الأمراض العصبية الدكتور “يمان” في لقائه مع موقع “دماسكوس بيورو” الشلل الدماغي بأنه “مجموعة الاضطرابات المستديمة في تطور حركة الجسم والعجز في الملكات العقلية للإنسان وهي ناتجة عن تلف قسم من خلايا الدماغ لعدة أسباب أهمها نقص الأوكسيجين أثناء الولادة, والرضوض, والفيروسات”.
وبحسب الدكتور يمان فإن معظم المصابين بالشلل الدماغي “يعانون من نوبات صرع مفاجئة تختلف شدتها حسب حجم الإصابة”. ويشدد في هذا المجال على حاجة المصابين لرعاية وعناية خاصة.
أما عن علاج الشلل الدماغي فقد أوضح الدكتور يمان أنه “لا يوجد علاج معروف لما بعد الإصابة، ولكن توجد أنواع متعددة من العلاجات لحظة الإصابة ومن أهمها: العلاج بالأوكسيجين ذي الضغط العالي والعلاج الطبيعي والوظيفي وعلاج النطق واستخدام الأدوية للتحكم في نوبات الصرع والتخفيف من وطأة التقلصات العضلية.”
أما عن كلفة الأدوية والعلاجات المتنوعة يشير الدكتور يمان إلى أن الأدوية لا تكلف الكثير ولكن العلاجات هي التي تمثل عبئاً على من يحتاجها حيث تصل إلى آلاف الدولارات سنوياً وخاصة العلاج الطبيعي والوظيفي وعلاج النطق كونها تحتاج أخصائيين ذوي خبرة وقدرات عالية.
ويعتقد الدكتور يمان أن افتتاح مراكز عناية خاصة في المنطقة يحتاج إلى عناصر مؤهلة ولديها خبرة وهذا الأمر غير متوفر حالياً ويحتاج إلى تمويل ضخم.
رغم قلة أعدادهم إلا أنه لا يوجد أي محاولة جادة لمواكبة أوضاعهم ومعاناتهم واحتياجاتهم, هذه الحالة الإنسانية تنطبق على الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة في كفرنبل بشكل عام، التي لا تلقى اهتماماً من قبل الهيئات والمنظمات الداخلية والخارجية.
المجلس المحلي في كفرنبل أحصى أعداد ذوي الاحتياجات لخاصة في المدينة ويقدر عددهم بـ 235 حالة ومن ضمنهم حالات الشلل الدماغي, وبحسب رئيس المجلس محمد المحروق (42 عاماً) “تم توجيه عدة نداءات لبعض الهيئات والمنظمات المختصة لتأمين أي دعم لهذه الشريحة لكنننا لم نحصل إلا على سلل غذائية لمدة أربعة أشهر من منظمة غول الإيرلندية”.
محمود شاب في الـ 23 من العمر مصاببالشلل الدماغي التشنجي الرباعي منذ الولادة بسبب نقص الأوكسيجين. قوي البنية يبلغ من الوزن 80 كلغ، لا يتكلم ولكن سمعه قوي. يعشق الإيقاعات الموسيقية الراقصة ويبكي لبعض الأغنيات.
نوبات الصرع القاسية التي تصيب محمود تؤدي بؤالدته إلى القول “في بعض لحظات اليأس أتمنى أن يريحه الموت من هذه الحالة فأتحول إلى البكاء لصعوبة وضعه, وعصبيته المتزايدة كلما تقدم بالسن… وتزداد معاناتنا عند سماع غارات الطيران بسبب صعوبة نقله إلى الملجأ وقد قمت بحمايته بجسدي في إحدى الغارات القريبة من المنزل…”. وعن تفاعل محمود مع أصوات الغارات والقصف والانفجارات تقول أم محمود : “الحمد لله لا يعرف الخوف ولا يتأثر بها أبداً, بل أحياناً يضحك عند رؤية إخوته أو أقاربه وهم يهرولون خائفين باتجاه الملجأ”.
بالنسبة لمعاملتها لمحمود قالت: “تقع مسؤوليته علي بحكم غياب والده عن المنزل, معاملته صعبة وحسب حالته النفسية, ورغم إعاقته يحاول الخروج من المنزل مما يضطرني في بعض الأحيان إلى سحبه رغماً عنه, وفي حال وجود والده يصبح كالحمل الوديع مع أن والده لا يقسو عليه أبداً”.
وتشير أم محمود إلى أنه وقبل الثورة كان يتم رصد مخصصات لهكذا حالات عبارة عن مبلغ 3 آلاف ليرة سورية شهريا تدفع مرة في العام، ولكن بسبب وجود بعض الأخطاء لم تحصل العائلة إلا على نصف هذا المبلغ. ورغم ضآلة هذا الدعم إلا أنه يبقى أفضل من لا شيء حيث لا يتم تقديم أي مساعدة خاصة للمصابين بالشلل الدماغي أو ذوي الاحتياجات الخاصة عموماً منذ انطلاق الثورة, ولا يوجد أي اهتمام بهم من أي جهة محلية أو خارجية. وتتمنى أم محمود أن يتم استحداث مراكز خاصة للرعاية النفسية وتوعية الأهل على طريقة التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام والمصابين بالشلل الدماغي أمثال محمود بشكل خاص.
رئيس مكتب العلاقات الخارجية في المجلس المحلي عبد الرزاق الحمود (33عاماً) اشتكى من لامبالاة الكثير من الجهات وتحديدا الحكومة المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم، التي تم التواصل معها بخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة ولم يحصل المجلس إلا على وعود لم تتم تلبيتها حتى الآن. ورغم ذلك يقول الحمود أن المجلس يطرح مشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة كلما سنحت الفرصة.
هيام تحتاج لشخص يراقبها طيلة الوقت، وهو ما تفعله أمها منذ 51 عاماً . مقعدة غير قادرة على الحركة بسبب إصابتها بالشلل الدماغي, تخشى عليها أم محمد من الاختناق بلعابها لأنها لا تتحكم بعملية البلع جيداً. إطعامها يحتاج إلى حذر شديد ووقت طويل لأنها تمضغ ببطء.
أم محمد والدة هيام تبلغ من العمر 82 عاماً أمضت أكثر من نصفها تراقب ابنتها، لا تخرج من المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى, تقول أم محمد عن وضع هيام “رغم أنها هادئة ولا تشكل أي مصدر للأذى إلا أن مجرد مراقبتها هو الهم الكبير, فهي معرضة للموت اختناقاً في كل لحظة”. هذا الخوف يدفع بالأم إلى أن تتمنى الموت مع ابنتها في نفس اللحظة طلباً للراحة.