تركت دميتها لتحمل طفلها

: طفلات سوريات يلعبن داخل سيارة مدمرة في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا

: طفلات سوريات يلعبن داخل سيارة مدمرة في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا

"وهكذا صارت ابنة الـ 14 خريفاً... امرأة مسؤولة عن منزل ورجل. استيقظت يوماً وقد دس في جوفها طفلاً... جنين ينمو في أحشاء طفلة سلبوا طفولتها قهراً. لطالما مارست أمومة بريئة مع دميتها..."

لم تعتد النوم بعيداً عن دميتها… حتى في سنوات الحرب التي عاشتها في سوريا،
كانت تحملها معها أينما نزحت… وكانت تتفقدها بعيونٍ دامعة بعد كل قذيفة قريبة أو رصاصة طائشة.
كما لو أنها ابنتها، أو أختها، أو حتى كجزءٍ من روحها، تُكمل بها نقصاً ما. ولما دفعت حالة البلد الرديئة عائلتها للسفر، كانت عروستها الصغيرة أول المتاع ضمن الحقائب.
لم يجرؤ الأب أو الجدة على انتزاع مكانها لوضع شيءٍ أكثر نفعاً. فقد علم الجميع أنها التعويض عن والدتها المقتولة بقذيفة هاون، نزلت في ردهة منزلهم فتشظت واستقرت إحدى الشظايا في صدر الوالدة، حين كانت عائدة ً من السوق تحمل معها الدمية لسارة… وكأنما سكنت روح الأم في الدمية فصارت من أثمن ما تملك ابنة العشر سنوات.
في العام 2017، وصلت العائلة إلى لبنان بما تبقى من أفرادها، لجأوا إلى بيت أقاربهم… وكما كل العوائل السورية الذين لهم من الحظ نصيب أن تربطهم صلة بأصحاب البلد الجديد، قدم الأقارب لعائلة سارة المأوى وبعض مستلزمات الحياة.
غرفتين صغيرتين، إحداهما للجدة وحفيدتها سارة. والأخرى كانت في النهار غرفة استقبال الضيوف
وفي الليل سكنٌ لوالد سارة وولديه التوأم. البكران اللذان كانا يكبران سارة بسنتين.
في منتصف صيف ذاك العام أتمت سارة الرابعة عشر من عمرها وبانت عليها تكاوين الصبا، وعلامات الفتوة. أصبحت أشد حساسية وأقل كلاماً وتعاطياً مع الآخرين. لم تقم لنفسها علاقات صداقة مع مثيلاتها بالعمر في حيّها اللبناني. إذ أنها كانت دائمة العزلة شديدة الحاجة لوجود الأم…
كانت الجدة تراقب نمو سارة وتصرفاتها.
ولطالما حدثت ابنها عن فتاته الصغيرة كيف نضجت في زمنٍ قاسٍ لم يهبها سوى الحزن والفقدان فعاشته وحيدة دون حتى أخت تشاركها اللعب والكلام والذكريات… فقط دمية مدماة بروح أمها تناظرها طوال يومها فتارةً تضحك لها وأغلب الأوقات كانت تخفي دموعها برأس اللعبة القديمة
وتعود لتبتسم متجاهلة كل شيء.
كانت الجدة تلح على الوالد ليجد له عروساً تحل محل أم الأولاد وتعيل الرجل. وكان عذر الجدة تقدمها بالسن وخوفها من الموت. وبدأ الأب ينساق لتلك الفكرة، فهو بحاجة أيضاً لوجود الشريكة التي تقاسمه تفاصيل الحياة.
لم يمض الكثير من الوقت حتى صار للأولاد زوجة أب. ومنذ اللحظة الأولى فرضت قوانينها على الصغار. فحرمت الشابين من إكمال دراستهما، وحولتهما إلى ولدين عاملين ينتجان للعائلة دخلاً إضافياً على حساب تعليمهما.
وقررت تزويج سارة. وبعد أشهر قليلة حدثت زوجها عن رجل غني يبحث عن زوجة. عارض الأب الموضوع ورفض مناقشته بسبب عمر الرجل، الذي كان يكبر سارة بكثير. وأنهى الحديث بقوله: لو كانت ابنتك اتزوجينها لمن يكبرها بضعف عمرها!؟
ظلت الزوجة تحاول بشتى الطرق، فلجأت للمشاجرات مع الصغيرة وجدتها. وأغرقت زوجها بالديون. وصار الحل الوحيد لبعض راحة باله تزويج الفتاة.
زفت الصغيرة بفستان أبيض مبلل بالدموع إلى صاحب المال والعمر الوفير. كانت تودع جدتها ودميتها بعيون ذابلة وأسئلة كثيرة.
وهكذا صارت ابنة الـ 14 خريفاً… امرأة مسؤولة عن منزل ورجل. استيقظت يوماً وقد دس في جوفها طفلاً… جنين ينمو في أحشاء طفلة سلبوا طفولتها قهراً. لطالما مارست أمومة بريئة مع دميتها… فكيف الحال وهي الآن قد تنجب ولا تعلم للأمر نهاية…
سارة هذه السنة حامل في شهرها الخامس تعيش زواجاً شبه سعيد… فزوجها رجل رشيد رغم كبر سنه وكثرة عمله، إلا أنه يحنو على تلك الصغيرة محاولاً تكفير غلطة ارتكبها أهلها بحقه وبحق سارة.
أما هي… فتنظر مولودها بشغف دون أن تدري أي شيء عن الأمومة… سارة التي تركت دميتها لتحمل طفلها.
عائدة علوش (32 عاماً) من الزبداني في دمشق، تقيم حاليا في لبنان. أرمله منذ سبع سنوات، أم لثلاثة اطفال، تعمل كباحثة اجتماعية في مشروع الزواج المبكر. تدرس دبلوم علوم الحوسبة .