بعد خروج “داعش” فصائل المعارضة وقوات النظام تتقاسم محافظة إدلب

هزاع عدنان الهزاع

(كفرنبل، سوريا) – تحت شعار “بشار وداعش واحد… تسقط داعش والأسد” خرجت في الأيام الأولى من العام 2014 عدة مظاهرات في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، والذي بات يسمى اختصاراً “داعش”.

نادت هذه المظاهرات بإسقاط التنظيم الذي بسط سيطرته تدريجياً على معظم مناطق المعارضة المسلحة شمالي  سوريا، في الأشهر الستة الأخيرة من العام 2013، بعد أن قتل قادة وعناصر من مختلف فصائل المعارضة واعتقل آخرين منهم، وهزم بعض ألويتها، كـ “لواء أحفاد الرسول” في محافظة الرقة، و”لواء عاصفة الشمال” في مدينة إعزاز التابعة لمحافظة حلب.

نازح يهرب من القتال في خان شيخون - يوتيوب/ اورينت نيوز
نازح يهرب من القتال في خان شيخون – يوتيوب/ اورينت نيوز

تبع تلك المظاهرات إعلان فصائل من المعارضة “ثورة مسلحة” على “داعش”، في محافظات الرقة وحلب ودير الزور وإدلب، كانت نتيجتها تفرد تنظيم “داعش” بالسيطرة على مناطق المعارضة في محافظة الرقة، وفي المقابل إنهاء وجوده العسكري في محافظة إدلب في 17 كانون الثاني/ يناير 2014، باستثناء بعض الجيوب الموجودة في ريف جسر الشغور، والتي انسحبت منها في آذار/ مارس.

تم إخراج “داعش” من هذه المحافظة التي يبلغ تعداد سكانها حوالي المليون ونصف دون قتال في معظم المناطق، نتيجة نجاح الوسطاء في إقناع مقاتلي التنظيم بالانسحاب.

حالياً، تتوزع مختلف فصائل المعارضة المسلحة على محافظة إدلب، بينما لا تزال القوات الحكومية تسيطر على نقاط اسراتيجية ومدن مهمة.

فصائل المعارضة التي قاتلت “داعش” في هذه المحافظة هي “صقور الشام” و”أحرار الشام” التابعان للـ”جبهة الإسلامية”، و”جبهة ثوار سوريا” المحسوبة على “الجيش الحر” والتي تضم عدة مجموعات غير إسلامية. هذه الفصائل الثلاثة تتواجد في معظم مناطق المعارضة من هذه المحافظة، ويضاف إليها “جبهة النصرة” التابع لـ”القاعدة”، وفصيل “لواء داود” حليف “داعش”، وغالباً ما لعبا دور الوسيط. “جبهة النصرة” تتواجد أيضاً في معظم مناطق المعارضة من تلك المحافظة، أما تواجد “لواء داود” فيقتصر على بنش وسرمين وتفتناز.

أما القوات الحكومية، فما زالت تسيطر على نحو خمس مساحة المحافظة، حيث تتواجد في قطاع في شمالها وغربها، يضم مركزها الإداري وهو مدينة إدلب، والطريق الذي يصل محافظة إدلب بالساحل السوري، بالإضافة إلى أريحا وجسر الشغور، ومدينة الفوعا ذات الأغلبية الشيعية. كما تسيطر هذه القوات على مناطق جنوبي المحافظة، تضم خان شيخون وبعض القرى المحيطة بها، بالإضافة إلى معسكرات استراتيجية على الطريق التي تربط محافظة إدلب بمحافظة حماه، في وادي الضيف والحامدية، وأخرى على الطريق إلى محافظة اللاذقية في المسطومة.

وتشهد خان شيخون الواقعة على بعد 65 كيلومتر جنوب مدينة إدلب منذ 19 شباط/ فبراير معركة ضد قوات النظام، تشنها “الجبهة الإسلامية” (ممثلة بألوية “صقور الشام”، و”أحرار الشام”، و”جيش الإسلام”) و”جبهة النصرة”، بالإضافة إلى تشكيلات مسلحة أخرى مثل “هيئة دروع الثورة”، و”هيئة حماية المدنيين”، و”لواء الأمة”، و”جند الأقصى”، و”مجاهدو الشام”.

هدف معركة خان شيخون السيطرة على الجزء من الطريق الدولي الذي يمر بها، وبالتالي قطع الإمدادات عن معسكري “الحامدية” و”وادي الضيف” القريبين من معرة النعمان. كما أن السيطرة عليها ستنقل المعارك من محافظة إدلب التي تسيطر المعارضة المسلحة على معظمها إلى محافظة حماة التي ما زالت معظم مساحتها تحت سيطرة النظام، وقد سيطرت المعارضة ايضاً على مواقع في بلدة مورك في ريف حماة، الواقعة على بعد سبعة كيلومترات فقط جنوب خان شيخون. وقد نزح معظم سكان خان شيخون البالغ عددهم حوالي خمسين ألفاً منذ بدء المعارك.في مقابلة مع “دماسكوس بيورو” في أواخر شباط/ فبراير، يقول العقيد في “الجبهة الإسلامية” جمال النعسان، وهو أحد أبرز قادة هذه المعركة:

“”تمكنا في الأيام الثلاثة الأولى من تحرير ثلاثة حواجز. نلقى مقاومة شرسة من حاجز السلام، وهو ليس بحاجز، وإنما معسكر محصن. ولكن بالرغم من ذلك حررنا ثلاث بنايات من أصل تسع يسيطر عليها”، على طرف المدينة الغربي.

وعن الدعم العسكري يقول: “لم نتلق أي دعم من الائتلاف (الوطني المعارض)… صاروخ الكونكورس يكلفنا 20 ألف دولار وقذيفة الدبابة تكلفنا أربعة آلاف دولار”.

القائد العسكري في “صقور الشام” المقدم جمال علوش يرى أن لدى الثوار أسلحة بإمكانها “تحرير” المناطق التي يسيطر عليها النظام إذا اتحدوا، وتركوا الحديث عن الغنائم وكيفية تقسيمها قبل كل معركة. ويضيف “تفرقنا السبب الرئيس لعدم تحقيق الانتصارات، وليس نقص الأسلحة والذخيرة”.

ولا يرى المقدم علوش فائدة من فتح معركة على مدينة إدلب قبل السيطرة على مدينة أريحا الاستراتيجية، الواقعة جنوب غرب إدلب بحوالي 20 كيلو متر، والتي تصل إدلب بالساحل السوري. ولفت إلى أن معارك السيطرة على أريحا مستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر.

مسألة تفرق الثوار يتوقف عندها القائد في “الجيش الحر” الملازم أول محمد الخالد، ويرى أنها “سرطان الثورة”. ولكنه يحمّل “الجبهة الإسلامية” التابع لها المقدم علوش القسم الأكبر من المسؤولية عن تفرق الثوار، إذ يعتقد أن كل فصائلها خرجت من عباءة “الجيش الحر”، تحت غطاء مشروعات إسلامية سابقة لأوانها، ولا تفيد الثورة في شيء، وإنما تحرف “الجيش الحر” عن هدفه الأسمى، وهو “حماية الثورة السورية الشعبية التي تنادي بالحرية والكرامة”، بحسب الخالد.

يرد المقدم علوش على ذلك بأن “الجبهة الإسلامية” خرجت من عباءة “الجيش الحر”، لأنها تعتقد أن تطبيق الشريعة الإسلامية هو واجب على جميع المسلمين في كل الأمكنة والأزمنة. ويقول إن الجبهة بعد سقوط النظام “ستحترم خيار الشعب، ولن تفرض نفسها بالقوة، ولكن إذا اختار الشعب الإسلام، فستدافع عن خيار الشعب”.

“الدفاع عن خيار الشعب” لا يختلف فيه الملازم أول محمد الخالد مع أحد، بل يقول: “من أجل ذلك وُجد “الجيش الحر””.

يرفض المقاتل في “صقور الشام” محمود الإسماعيل (33 عاماً)، قتال “داعش”، لأنه يعتقد أن الحرب عليها من قبل بعض الفصائل هي صراع على السلطة والنفوذ والنفط. ويقول الإسماعيل إنه أبلغ قادته بعدم مشاركته في هذه الحرب، ولو أدى ذلك إلى فصله، وأنه شخصياً لا عدو له سوى بشار الأسد.

ويستشهد الإسماعيل بما يحصل من اقتتال في جبل الشاعر الغني بالنفط، والواقع في البادية السورية، حوالي 150 كيلو متر شرق حمص، بين هذه الفصائل و”داعش”، من أجل السيطرة على النفط، بعد طرد قوات الأسد في صيف العام 2013. ويعترف الإسماعيل بأخطاء “داعش”، ويقول: “كل الفصائل لديها أخطاء… كل الفصائل فيها جيد وسيئ”. ويضيف: “هم إخوتنا في الدين، جاؤوا لنصرتنا، وقتالهم حرام”.

يرد على ذلك الملازم أول محمد الخالد بأن الحرب على “داعش” هي ثورة مسلحة، تمت نتيجة غضب شعبي عارم، بسبب انتهاكاتها واعتداءاتها الفظيعة.

وبالنسبة للقتال على آبار النفط في جبل الشاعر، التي يتم تكرير النفط المستخرج منها بطرق بدائية، يرى الخالد أنه “بسبب محدودية الدعم الذي تتلقاه المعارضة المسلحة، وجدت نفسها مجبرة على البحث عن مصادر للتمويل، وأفضل طريق لذلك هو النفط، وخاصة أن ذلك سيحرم “داعش” والأسد منه”.

على رغم الاختلاف على أكثر من نقطة، يجمع المقدم علوش والملازم أول خالد، اللذان انشقا عن جيش الأسد في أشهر الثورة الأولى، على أن الهدف الذي يجب أن يجمع كل فصائل المعارضة هو إسقاط النظام وحل المشاكل في ما بينها بطرق سلمية، كما ينظران إلى “جبهة النصرة” بارتياح ويرفضان تشبيهها بـ”داعش”.