النازحون السوريون… بين الفقر والحصار الاجتماعي

عقد المصالحات بين المعارضة المسلحة والنظام في عدد من المناطق السورية ترك أثراً في نفوس النازحين السوريين ممن كانوا يؤيدون القتال.

نوفا علي*

“(جرمانا، سوريا) – لا يمكن أن أنسى وجه ذلك الصبي على شاشة التلفاز وهو يسلّم سلاحه، متوجهاً ربما إلى جبهة قتال جديدة”، يقول يعرب (52 عاماً)، النازح من المليحة إلى جرمانا، حيث يعمل حالياً في سوبر ماركت ويضيف: “ما كان عليه ان يذهب للقتال، كان عليه ان يذهب ليرسم ويضحك ويستمتع بالحياة، بدل أن يزج بنفسه في معركة ضد نظام شرس يبدو أنه من الصعب اسقاطه،

صورة عن أحوال النازحين واللاجئين السوريين  تصوير: بيروز بريك
صورة عن أحوال النازحين واللاجئين السوريين
تصوير: بيروز بريك

ومعارضة لا تقل قذارة عن النظام، فهي لا تفعل شيئاً إلا تشكيل الكتائب والهيئات وتبادل المناصب دون نتيجة”.
بينما أعاد الجيش الحكومي السيطرة على مدينته المليحة في شهر آب/ أغسطس، يشير يعرب إلى فقدانه الأمل بالعمل المسلح ضد الرئيس بشار الأسد، بعد أن بقيت حمص محاصرة لسنتين وفي النهاية انتهت التسوية لصالح النظام، وكذلك في المعضمية، وغيرها من المناطق. فعقد المصالحات بين المعارضة المسلحة والنظام في عدد من المناطق السورية أشهرها “حمص القديمة”، ترك أثراً في نفوس النازحين السوريين ممن كانوا يؤيدون القتال ضد النظام.
مقداد (43 عاماً)، الذي ترك منزله في حمص القديمة مع عائلته وسكن دمشق، يقول: “خسرنا منزلنا وعدداً من أفراد عائلتنا وأقربائنا، لكننا لم نجد نتيجة لتضحياتنا”، في إشارة منه إلى التسوية في أيار/ مايو التي قضت بخروج المسلحين إلى ريف المدينة مع أسلحتهم الفردية. يضيف: “حمص التي كانت عاصمة الثورة السورية خرجت من أيدي المعارضة، فهل علينا أن نتفاءل أو نتوقع نصراً في المستقبل؟”.
يقول جديع (29عاماً)، طالب الهندسة النازح من حمص: “أنا أفكر جدّياً في العودة. كثيرون من أصدقائي عادوا إلى منطقتهم في حمص رغم معارضتهم النظام، ومنازلهم شبه مدمرة”.
“إن كان هذا يشير إلى شيء”، وفقاً لجديع، فهو “يؤكد أن الناس تعبت من النزوح” كما قال، و”الناس لم يعد يهمها من خسر ومن ربح، بات يهمها أن تأوي أطفالها في منطقة آمنة وفقط، وإذا كانت المعارضة تصف هذه التسويات بتسويات الذل فلتؤمن لنا على الأقل بيتاً أو معونة، أو سفراً، تعبنا من التنظير في الفنادق…”.
النزاع المستمر منذ ثلاث سنوات، أغرق سوريا في وضع اقتصادي مأساوي انعكس على الناس بشكل عام وعلى النازحين الذين فقدوا منازلهم وأعمالهم بشكل خاص، وبات وضعهم يتراوح ما بين الفقر والفقر المدقع، نتيجة فقدانهم مصدر رزقهم، أما من بقي ضمن المناطق المحاصرة فما تزال الاخبار الواردة عنهم تؤكد أنهم يعانون من نقص وسوء التغذية.
يفيد تقرير للأمم المتحدة أن خسائر الاقتصاد السوري بسبب الحرب الدائرة منذ عام 2011 بلغت بنهاية عام 2013 ما يقارب 144 مليار دولار اميركي، وأن ثلاثة أرباع السوريين أصبحوا من الفقراء، وأكثر من نصف السكان (54%) يعيشون في فقر شديد.
الوضع الاقتصادي السيئ ليس المشكلة الوحيدة التي يعاني منها النازحون، فقد ظهرت مؤخراً وتحديداً في السنة الماضية، مشكلات اجتماعية نتيجة الضغط الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي شكله النازحون في بعض المناطق التي نزحوا إليها.
أم عصام (42 عاماً) نازحة من الغوطة، تسكن إحدى شقق الإيجار مع عائلتها، لم تعد قادرة على التحمّل أكثر كما قالت، “استطعنا منذ نزوحنا إلى جرمانا، أن نقيم علاقات جيدة ومتينة مع بعض الجيران، لكن آخرين أظهروا لنا العداء. ما زالوا يتعاملون معنا على أننا سبب في استمرار الحرب، طالما أن رجالنا ظلّوا في الغوطة يقاتلون”.
ولاء (34 عاماً) نازحة من ببيلا، واجهت نوعاً آخر من التمييز على أحد الحواجز، خلال على طريقها إلى ضاحية الأسد. تقول: “من بين كل ركاب الحافلة، طلب العسكري هويتي فقط لأنني محجبة، وسألني عن المنطقة التي اتيت منها وإلى أين انا متجهة، مع نظراته التي توحي بالشك، وكأنني قادمة إلى المنطقة لأنفذ عملية انتحارية”. تختم ولاء: “لقد تعبنا، نريد العودة”.
نازحون آخرون اشتكوا نوعاً مماثلاً من المعاملة في الشقق التي استأجروها. بحسب سكينة (51 عاماً) التي نزحت وعائلتها من حزة – حرستا إلى الدويلعة، أرسل اصحاب البيوت خلال الفترة الماضية من يستفسر عن اسماء من يسكن الشقق وأخذ المعلومات التفصيلية، وتضيف سكينة: “حتما هي تعليمات أمنية، وهذا من حقهم، لكن ماذا تبقى لنا من كرامة عندما نتعرض لهذا التمييز داخل بلدنا؟”.
“أصبحنا كما اللاجئين العراقيين او الفلسطينيين” يقول أحد النازحين من المليحة ويدعى ملهم (26 عاماً). “لم يكن لنا في هذه الحرب لا ناقة ولا جمل، مع ذلك نشعر أننا متهمون. اذا اندلعت أي مشكلة في الحي الذي نسكنه، فلا نجرؤ على التدخل، لأننا ضيوف”.
جابر (30 عاماً) عاماً، نازح من دير العصافير في ريف دمشق، لم يكن يوماً يؤيد المصالحة، و”لكن المعارضة أتبتت فشلها في السياسة ويبدو أنها تسير على الخطى نفسها في الميدان بدلالة التسويات والمصالحات مع النظام” بحسب ما يقول ويضيف: “كل يوم نسمع عن خلافات جديدة بين الكتائب المسلحة المعارضة، بينما يستمر النظام في تقدمه على الأرض، فهل ننحني ونحفظ ما تبقى أم نستمر في الموت؟”.
يراجع النازحون ممن قابلهم موقع “دماسكوس بيورو” حساباتهم في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، وفي ظل ما أعلنته الحكومة السورية عن بدء مشروع تشييد وحدات سكنية للنازحين في الضواحي الأكثر تضرراً، وفي ظل المصالحات التي جرت في عدد من المناطق في ببيلا، برزة، يلدا، بيت سحم، المعضمية، حمص.
وكانت الحكومة السورية رصدت ما يقارب 4 مليارات ليرة، لبدء مشروع تشييد أكثر من 3392 وحدة سكنية في ريف دمشق وحمص ودرعا، لتأمين أماكن إيواء لائقة للمهجرين.
كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في دراسة نشرتها أن ما يقرب من مليون ونصف منزل تعرض للتدمير في سوريا، منها 315 ألف منزل دمر تدميراً كاملاً، و300 ألف منزل دمّر جزئياً، مع تدمير البنية التحتية، كالمياه والكهرباء والصرف الصحي، وأن ما يقرب من سبعة ملايين شخص تأثروا بالدمار، وأن ثلاثة ملايين شخص اضطروا للنزوح، وفقد مليون مواطن ممتلكاتهم بشكل كامل.
لا يشبه صهيب (7 سنوات)، باقي الأولاد في مكان نزوحه في جرمانا. الفتى الذي نزح مع عائلته من الغوطة، لا يشارك الأولاد ألعابهم وأنشطتهم. هو فقط يجلس وحيداً، بعيداً عن الجميع ويراقبهم في صمت .
وعند سؤاله عما إذا ما كان يريد العودة الى منزله القديم، يدهشك الجواب، فصهيب لن يعود إلى منزله في الغوطة لينام في سريره، أو يتفقد ألعابه، صهيب يريد العودة لأنه يستطيع في منزله استخدام الحمام بمفرده، لكنه لا يستطيع فعل ذلك في مركز نزوحه، فالأولاد الآخرون يحرمونه من هذه الخصوصية.