“المعفشّون” يقتحمون أسرّة الناس وحقائب خوفهم

التعفيش، وقد بات مصطلحاً أساسه نهب الاثاث المنزلي الذي يسمى بالمحكية “العفش”.

  خاص“ دماسكوس بيورو”

(جرمانا، سوريا) – “فيما كان الأهالي يعيشون رعب دخول “داعش” مدينة جرمانا، كان لدى أمجد (عضو في “اللجان الشعبية”) المتسع من الوقت ليركب دراجته النارية بعد أن حزم ما تيسر من الفرش والأغطية التي بدت قديمة وبالية”، تقول سيما (28 عاماً) طالبة في كلية الإعلام وتتابع: “كان لديه وقت ليضحك ويناديني وقد رأى الخوف على وجهي كما على وجه غيري من العابرين، المذعورين من سكّان جرمانا الذين باتوا خارج بيوتهم خلال دقيقتين من انتشار الخبر في المدينة بالغة الكثافة السكانية”.

ملصق صممه ناشطون معارضون كردة فعل على تقارير عن قيام جنود حكوميين بسرقة المفروشات من بيوت حمص القديمة في أيار/ مايو. المصدر: موقع "تحرير سوري".
ملصق صممه ناشطون معارضون كردة فعل على تقارير عن قيام جنود حكوميين بسرقة المفروشات من بيوت حمص القديمة في أيار/ مايو. المصدر: موقع “تحرير سوري”.

 تتابع سيما روايتها، قائلة: “خاطبني أمجد وهو يضحك: تعالي وخذي سجادة، لا تخافي. ابتسمت في وجهه وتابعت طريقي دون أن أصدّق للحظة ما رأيت وسمعت”.
توصلت سيما كما تظّن إلى معرفة مصدر الخبر وهدفه، فهي تعتقد أن نبأ دخول مقاتلي “الدولة الإسلامية” أو “داعش” إلى جرمانا كان شائعة أطلقها أحدهم وانتقلت بين السكان كما النار في الهشيم، بهدف إخراج الناس من بيوتهم وإتاحة الفرصة للسرقة و”التعفيش” من البيوت.
نعم “التعفيش”، وقد بات مصطلحاً أساسه نهب الاثاث المنزلي الذي يسمى بالمحكية “العفش”.
سبق وحدث ما يشبه هذا في مخيم اليرموك، تقول السيدة أم محمد (44 عاماً) من مهجّري المخيم: “أطلقوا خبر دخول “الجيش الحر” إلى المخيم، فترك الأهالي منازلهم خوفاً على حياتهم، لكن شيئاً لم يكن قد حدث بعد في المخيم، وفيما بعد باتت القصة معروفة، “اللجان الشعبية” دخلت المخيم ونظفت البيوت من أثاثها، خلعت حتى أشرطة الهاتف والكهرباء”.
شائعة هجوم “داعش” بقصد السرقة أكدها عامل في أحد المطاعم ويدعى محمد (29 عاماً) قائلاً: “في حي الجناين بجرمانا تمت سرقة منزلين في يوم انتشار الشائعة، وأنا أعرف ساكني تلك المنازل”.
قصص السرقة التي يقوم بها أفراد “اللجان الشعبية” باتت معروفة حتى من قبل أعدائهم. يقول منتجب (33 عاماً) الذي يعمل في مقهى إنترنت، أنه وأثناء خدمته العسكرية في منطقة قريبة من المليحة في الغوطة الشرقية، الذي أعاد الجيش الحكومي سيطرته عليها في آب/ أغسطس، اضطر إلى البقاء في أحد المنازل الخالية ليومين. يقول منتجب: “تفاجأت عندما وجدت العبوات المفخخة قد وضعت خلف جهاز الكمبيوتر، أو خلف شاشة التلفاز، أو في وسط الغسالة، لأنهم (مقاتلي المعارضة) يعرفون ما هي اهتماماتهم”.
أبو طارق من سكان جرمانا (54 عاماً) أطلق على أفراد “اللجان الشعبية” صفة “الخونة الجدد”، و”الزعران” قائلاً: “لم نعد نخاف من “داعش” بقدر ما نخاف هؤلاء. عندما تأتي “داعش” سنقف أمامهم وجهاً لوجه، لكن هؤلاء يعيشون بيننا. هؤلاء هم من نخافهم غداً فيما لو انتهت الأزمة، هؤلاء من يسيئون إلى سمعة الجيش، وقد أخطأت الدولة عندما ألبستهم لباس الجيش”.
حملات “التعفيش” باتت معروفة في جميع المناطق التي دخلتها اللجان، لكن المستغرب هو أن سكّان جرمانا يقبلون على شراء العفش الذي تمت سرقته من المليحة، مع ملاحظة أن معظم الشارين هم من الغرباء الذين هجّروا من مناطقهم والتجأوا الى جرمانا، ليتبضعوا في سوق يعلن رعاته أنه من غنائم الحرب وأنه من نتاج “تطهير المليحة بالكامل” بمعنى (تطهيرها من العفش والاثاث) وعادت البيوت كما كانت “على العظم”، وما بقي منها صار تحت الأرض.
يتحدث الأهالي في جرمانا عن البيان الذي صدر عن مجمّع رجال الدين للموحدين الدروز، والذي تضمن ما يسمى “الحرم الدرزي” على لصوص وناهبي ومستثمري الحرب الدائرة في ريف دمشق وغوطتها. والبيان يقول بتحريم إلقاء السلام، أو الأكل من زاد، أو تزويج أو صلاة جنازة كل من ساهم بالسطو على منازل المهجّرين في القرى المحيطة بالمدينة أو سواها، والحرم وفق العقيدة الدرزية، يعتبر من أكثر الاحكام الدينية شدّة وقسوة، كونه يتضمن عزل الشخص (المُحرّم) لينسحب هذا العزل على حياته وحياة عائلته.
ويقول الشيخ فارس أبو كاتبة (80 عاماً)، وهو أحد كبار رجال الدين الدروز، تعليقاً على البيان “أن هذا كل ما بوسع رجال الدين فعله، في مواجهة الزعران. أهالي جرمانا تعايشوا عبر تاريخهم مع القرى المحيطة بهم، دون أية مشاكل، أو حساسيات أو تمييز، باستثناء تلك المشاكل التي تعيشها المجتمعات الفلاحية المتجاورة، كتلك المتعلقة باقتسام مياه الوادي، أو هذا النوع من المشاكل”.
يقول أبو عصام (60 عاماً)، المُهجر من المليحة، لموقع “دماسكوس بيورو”: “رأيت سيارة محمّلة بالعفش تنزل حمولتها في جرمانا. لقد تعرّفت على عفش منزلي، كنبة الصالون وكرسي المطبخ، حتى موتور الماء نزعوه”. يضيف أبو عصام: “سألت أصحاب السيارة عن سعر العفش، دفعت السعر المطلوب وأخذت عفش بيتي وذهبت دون نقاش”.
وتابع ضاحكاً: “لو حاولت إخراج أثاث منزلي من المليحة وعبور الحواجز به، كنت سأدفع أضعاف ما دفعت ثمنا لشرائه من سارقيه. أنا ممتن لهم، أنهم سرقوه ونقلوه من المليحة الى جرمانا بهذه التكلفة المتواضعة”.
في سوق التعفيش في سوق الجناين في جرمانا، سقط قتيل نتيجة عراك بين المعفشين والأهالي، وحسب المعلومات التي أوردتها “شبكة أخبار جرمانا”، فإن إطلاق النار جرى نتيجة احتجاج الاهالي واعتراضهم على بيع المسروقات، على إثره حدث عراك وتعالت الاصوات وتم اطلاق الرصاص، والقتيل ما يزال مجهول الهوية.
“هذه هي الحقيقة وقد اكتملت بالدهشة، الدهشة من سقوط قتيل في سوق التعفيش”، تعلّق لجين (29 عاماً) خرّيجة أدب انكليزي وهي تقرأ الخبر على الانترنت. وتضيف: “لم يسقط أمام الفرن ينتظر خروج الرغيف، سقط في كهف السرقة، هذه هي الكوميديا السوداء التي لم تعد تنجح في إضحاكنا. لم يبقَ إلا البكاء والرثاء على ما تبقى من هذا الوطن”.

*اسم مستعار لصحافية سورية.