المؤسسات السياحية في اللاذقية تسرح موظّفيها
راحيل ابراهيم
من يعرف مدينة اللاذقية ومحيطها قبل بداية الأحداث في سوريا، قد يتذكر كيف كانت تبدو أيام عطلة نهاية الأسبوع، مع بداية موسم الربيع: الأهالي يرتادون المقاهي في ساعات الصباح الباكر ويتنزهون على الكورنيش الغربي وكورنيش المدينة الرياضية، بينما تتوافد المجموعات السياحية إلى المواقع الأثرية والشواطئ والمناطق الجبلية.
تغيرت الصورة حالياً، وبدت اللاذقية في أحد أيام السبت وكأنها مدينة أخرى؛ فالمتحف يكاد لا يزوره أحد منذ سنتين، بحسب ما يقوله الحراس، بينما المطاعم شبه خالية إلا من موظفيها.
هذه بعض انعكاسات الضربة القوية التي تلقاها القطاع السياحي في سوريا منذ بداية الأزمة، حيث يشير التقرير السنوي الأخير الصادر عن وزارة السياحة أن أعداد السياح الوافدين إلى سوريا انخفضت من 3.8 مليون عام 2011 إلى 0.6 مليون سائح عام 2012 . بالإضافة إلى تراجع عدد السياح، يشكو أصحاب المطاعم والفنادق من ارتفاع أسعار مختلف المواد الأولية كالمازوت والغاز والمواد الغذائية على مختلف أنواعها، وانقطاع الكهرباء المستمر.
تنعكس هذه الأزمة بشكل كبير على العمال في هذه المؤسسات، الذين إما يخسرون وظائفهم أو تتعرض رواتبهم للتخفيض.
نصر (30 عاماً)، الذي كان يعمل في منتجع سياحي في اللاذقية، هو أحد أولئك الذين خسروا عملهم بعد أن تقلص عدد زبائن المؤسسة التي يعمل فيها إلى أقل من النصف، كما يقول.
“بعد خمس سنوات من العمل، وجدت نفسي فجأة أمام قرار التسريح، نتيجة التخفيض الذي أجرته المؤسسة في عدد الموظفين العاملين. لم أعترض، فحالي كحال الكثيرين غيري،” يقول نصر.
الركود ألحق الأضرار أيضاً بأحد أبرز المطاعم من فئة خمس نجوم في المدينة.
“الأزمة انعكست على مداخيل المطعم، وعلى العاملين الذين تم تخفيض عددهم من 300 إلى 140،” يقول أحد مديري المطعم، الذي رفض الكشف عن اسمه.
يصف المدير هذا الوضع بـ”الكارثي”، مضيفاً أن عدد الزوار لا يتجاوز العشرة يومياً. يعزو المدير هذا التراجع إلى أن عدداً كبيراً من الزبائن يقاطع هذه المؤسسة لأسباب سياسية، فصاحبها رجل أعمال شهير على علاقة وثيقة بالنظام، كما أنّ موقع المطعم بالقرب من منطقة الصليبة التي ينشط فيها مناصرو المعارضة وتشهد توترات أمنية بين الحين والآخر تجعل الزبائن يبتعدون عنه، بحسب ما يقول.
تواجد الحواجز الأمنية بشكل كثيف في بعض أنحاء اللاذقية، مثل منطقة الرمل التي شهدت اشتباكات مسلحة الصيف الماضي، بالإضافة إلى الأنباء عن حوادث الخطف، يولد خوفاً لدى بعض أهالي المدينة ويحد من حركتهم، على الرغم من أن المدينة بقيت حتى الآن تتمتع باستقرار أمني كبير مقارنة مع باقي المناطق السورية.
بخلاف المطاعم، تظهر جولة على الشاليهات في أكثر من منطقة صعوبة في إيجاد غرف فارغة. إذ تمتلئ الشاليهات بالزبائن، وإن كانوا غير اعتياديين. لقد حل النازحون، وأغلبهم من مدينة حلب، مكان السياح الأجانب والمحليّين.
إلا أن أصحاب الشاليهات ينفون أنهم يعوّضون الخسائر التي لحقت بهم نتيجة الأزمة.
“الإشغال الكثير لا يعني الربح،” يقول زهير، صاحب أحد الشاليهات في رأس البسيط بالقرب من مدينة اللاذقية، ويضيف: “النازحون لا يستطيعون أن يدفعوا نتيجة ظروفهم، ومعظمهم لا يوجد لديه عمل، ومن يملك عملاً فدخله محدود، وحتى ميسورو الحال ممن جاؤوا إلى الشاليهات، فقد جاؤوا مؤقتاً لحين تأمين شقق سكنية.
وقد ارتفع الإيجار اليومي إلى نحو الضعف مقارنة مع الأسعار في العام الماضي، وبدأ أصحاب الشاليهات يعتمدون أسلوباً جديداً مع الزبائن، وهو منح عقود إيجار شهرية يبلغ متوسط قيمتها نحو 15 ألف ليرة سورية (حوالي 150 دولار أميركي) وهي أسعار يجد الكثير من النازحين صعوبة في دفعها.
“نحن ثلاث عائلات نسكن في شاليه مكون من غرفتين وصالة بإيجار 20 ألف ليرة (حوالي 200 دولار أميركي)”، يقول صادق، وهو نازح من حلب. “الأسعار ترتفع لتصل حد الاستغلال.”
في ظل الظروف الراهنة، قد يأتي الصيف بينما الوضع على حاله بالنسبة إلى كل من النازحين وأصحاب المؤسسات السياحية. فاستمرار القتال في أنحاء سوريا لا يوحي بأن موسم الاصطياف سيتحسن بالنسبة إلى أصحاب المؤسسات، أو أن مدينة حلب ستشهد نهاية قريبة للقتال، تسمح للنازحين بالعودة إلى ديارهم.
أما العمال المسرّحون من وظائفهم، فباتوا يجدون صعوبة في البقاء في سوريا. في ظل غياب مصادر الرزق، قرر نصر أن يسافر إلى لبنان ليبحث عن عمل هناك.
“ظروف السوريين ليست جيدة في لبنان، مع هذا أنا مضطر للسفر،” يقول نصر. “لا عمل ينتظرني، لكنني متأكد أن العمل الوحيد الذي يمكنني أن أجده هو إما في مطعم أو في إحدى ورش البناء.”