اللاجئون السوريون في لبنان من حرب إلى أخرى

محمد دحنون

من أجواء الحرب القائمة والمستعرة في بلدهم سوريا، إلى بلد لجوئهم لبنان الذي يعيش أجواء الإنقسام السياسي الحاد بين مؤيد لنظامهم وداعم لثورتهم، هذه هي الحال التي يعيشها سوريون اختاروا، أو فُرض عليهم، أن يلجؤوا إلى الجار الصغير. وبين هذا وذاك ثمّة حرب يواجهها اللاجئون قد لا تقل ضراوة عن أيّ صراع مسلّح: حرب الحياة اليوميّة أو حرب تحصيل لقمة العيش بكرامة.

عائلات سورية تسكن في العراء في بيروت - يوتيوب
عائلات سورية تسكن في العراء في بيروت – يوتيوب

الرقم الرسمي لأعداد اللاجئين السوريين (سبعمائة ألف) يُضاعف حين البحث عن أرقام غير رسميّة، يشير هذا إلى أنّ نسبة كبيرة من السوريين المقيمين في لبنان، ولأسباب مختلفة، لم تسع إلى تسجيل نفسها في المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين، وبحسب وزير الخارجية في بيروت عدنان منصور هناك أكثر من مليون ومئتي ألف لاجئ سوري في لبنان.

وجد أبو طارق (59 عاماً) حلاً لـ “أزمّة رمضان”، كما يصف وضعه المعيشي خلال شهر الصوم، يقول”أشتري القليل من المواد الغذائية لزوجتي وبناتي وأحفادي ليعدوا بها طعام الإفطار. أما أنا وأبنائي الذكور فنذهب لصلاة المغرب في جامع جمال عبد الناصر في حي الطريق الجديدة حيث يقدّمون لنا وجبة إفطار كاملة بعد الصلاة”.

لجأ أبو طارق وهو سوري، من مدينة بنش (محافظة إدلب) إلى لبنان، لكنّه لم يسع إلى تسجيل عائلته في مفوضية اللاجئين لأنّ الأمر كما يقول “لا يقدّم ولا يؤخّر”، يستدّل على ذلك بأقاربه ومعارفه الذين سجّلوا أنفسهم دون أن يعود عليهم الأمر بأيّة فائدة. يتقاسم أبو طارق ساعات العمل على سيارة أجرة (سرفيس) مع إبنيه الاثنين، يقول “يعمل كل واحد عليها لمدة ثمان ساعات، وندفع لمالك السيارة ثلاثين دولاراً في اليوم ونحتفظ بالباقي”. ولدى سؤال الإبن البكر عن الخيارات المتاحة للعائلة في حال تأزمت الأوضاع في لبنان يقول بجديّة “وقتها سأعود إلى بلدي. إن كان لا بدّ أن أعيش الحرب وأموت بسببها فسأفعل ذلك في بلدي”.

موقف العائلة المنحاز للثوّرة في سوريا لا يسبب لها أي مضايقات من قبل سكان المنطقة حيث تقيم في بيروت، يقول أبو طارق “على العكس، الجماعة من صفنا، وهم يدعموننا”. وهذا ما لا يتشاركه عموم اللاجئين السوريين في لبنان، حيث تفرض عليهم السلطات المحليّة في بعض المناطق حظر تجوّل في ساعات الليل، وحيث يُضطر بعضهم إلى تجنب الحديث في السياسة أو تجنب الكشف عن ميولهم السياسية، الأمر الذي قد يدفع البعض منهم إلى تبديل مكان الإقامة والانتقال إلى مناطق تتوافق مع انتمائهم السياسي، وتندرج في هذا السياق جريمة الإعتداء على المواطن السوري ياسر مصطفى البزازي في طرابلس في 22 نيسان/ إبريل بتهمة تأييد نظام الرئيس بشار الأسد.

من جهته، لا يملك عماد مصطفى (24 عاماً)، جواباً عند سؤاله عن الخيارات المتاحة له فيما لو تمددت الحرب السورية إلى لبنان. يصمت قليلاً ثمّ يقول “دعنا نرتب أوضاعنا قبل أن تعلق الحرب، وحين تقع لكل حادث حديث”. وهو “لا يتعاطى في السياسة” منذ مجيئه إلى لبنان كما يقول، ويضيف “خرجت من سوريا بعد تخرّجي من الجامعة لأني لم أعد أستطيع تجديد تأجيل خدمتي العسكرية”. وعن ظروفه الحياتية في بيروت اليوم، يجيب مصطفى “لا أستطيع أن أجد عملاً، وهنا كل المشكلة. أتيت إلى بيروت منذ أربعة أشهر وبحثت عن عمل في مجال اختصاصي ولكن لا شيء”، ويتابع “وأنا مستعد للعمل كمحاسب في مطعم شاورما مثلاً ولكن حتى هذا غير متوّفر ومستعد للعمل في البناء مثلاً ولكن هذا أيضاً ليس سهلاً بوجود عشرات الآلاف من العمال السوريين المحترفين في مجال البناء”.

تؤكد المعطيات ما يقوله عماد مصطفى وهي التي تتحدّث عن لبنان كبلد أوّل في احتضان العمالة السوريّة الأمر الذي دعا الحكومة اللبنانية إلى انشاء “دائرة تنظيم العمال السوريين في لبنان” التابعة لوزارة العمل، لكنّ المفارقة، التي تفسّرها واقعة عدم حصول الغالبية الساحقة من العمال السوريين على إجازات عمل، تتجلى في عدم توفر احصاءات رسميّة لعدد العمال السوريين في لبنان. في المقابل، تتحدّث بعض الدراسات التي يعود تاريخها إلى العام 2005 عن وجود أربعمائة ألف عامل سوري في لبنان يتوزعون بصورة رئيسية على قطاعات الزراعة والبناء والأعمال اليدوية. وكان وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال في بيروت سليم جريصاتي، أصدر قراراً بتاريخ 3 شباط/ فبراير، قضى بالسماح للعمال السوريين في مزاولة مهن كانت محصورة فقط باللبنانيين وذلك لدواع إنسانية، الأمر الذي دفع بالعديد من أرباب العمل اللبنانيين إلى استخدام العمالة السوريّة الأرخص وتسريح العمالة اللبنانية، ما ولد نقمة لدى بعض الأوساط النقابية.

وفيما يبيت بعض اللاجئين السوريين في شوارع العاصمة اللبنانية، ويمتهن بعض هؤلاء، الأطفال تحديداً، بيع الورود، العلكة، وتنظيف الأحذيّة. يقيم هاني سليمان (48 عاماً)، في منطقة وسط بيروت الراقية منذ أكثر من عام. لا تشكّل الأزمة الاقتصادية ولا احتمال انفجار الأوضاع الأمنية في لبنان مشكلة بالنسبة إليّه، يقول “يمكنني الذهاب إلى أوروبا للإقامة في لندن كما يمكنني نقل إقامتي إلى الإمارات”. وعن سبب بقائه في بيروت يجيب”هنا على الأقل أستطيع التحدّث بلغتي ويستطيع أولادي أن يجدوا أصدقاء من بيئتهم الاجتماعيّة”.

رغم وضعه الاقتصادي الجيّد والذي لا يمكن مقارنته بالوضع الذي تتشاركه الغالبيّة الساحقة  من اللاجئين السوريين يشكو هاني صعوبة الحياة ويقول”انقطع رزقنا”. ولدى سؤاله عمّا يعنيه بذلك يجيب “أعمل في التخليص الجمركي منذ أن تخرّجت من المعهد التجاري في دمشق،  لكنني لم أبرم صفقة واحدة منذ حوالي السنتين وهذا ما أعنيه بانقطاع الرزق”. ولدى سؤاله عن رأيه في ما يجري في بلده سوريا يجيب باختصار “البلد خربت.. خربوها… الجميع خرب البلد!”.

يعيش اللاجئون السوريون في لبنان هاجس الحرب التي خلّفوها وراءهم، تلاقيهم في محط رحيلهم الحالي، يعيشون قلقاً مركباً: قلقٌ من ماضيهم القريب الذي ما زال حاضراً فيهم بكامل الزخم، قلق على حاضرهم “اللبناني” الذي يهتز على إيقاع الإنقسام الذي يعيشه الجار الصغير حيال ما يحصل في سوريا، والقلق على أوضاع معيشيّة غاية في البؤس بالنسبة لأغلبهم، وقلقٌ على المستقبل يوجز بأسئلة بسيطة لا تتوفر إجابات لها: ماذا سنفعل؟ أين سنذهب؟ ماذا سيحل بنا؟