القطاع الصحي يواجه نقصاً في الأدوية الأساسية
(دمشق، سوريا) – أسعد علي (60 عاماً) مصاب باختلاج دماغي (صرع) يحتاج إلى حبوب فينتونين عيار 100، “ما يزال الدواء متوفرا لكن بكميات قليلة”، كما قالت ابنته سعاد (33 عاماً)، التي أكدت أن “الحصول على الدواء بات يستدعي جولة على عدة صيدليات” .
ما جاء على لسان سعاد تؤكده الصيدلانية في منطقة القصاع منى (30عاماً)، موضحة أن أكثرية أدوية الاختلاج وضغط الدم مفقودة، أما فيتامين الأعصاب، وأدوية التهاب الأمعاءوالأسنان فتنقطع بين الحين والآخر أو يتم الاستعانة ببديل، ولكن أدوية مثل مضادات النفخة فغالباً لا يوجد بديل عنها.
وكانت نقابة الأطباء بحسب ما نقلت عنها صحيفة “البعث” تحدثت عن خروج “نحو30 معملاً دوائياً من الخدمة من أصل 90 معملاً” نتيجة الاعتداءات والسرقة التي تعرضت لها هذه المعامل.
علي ليس المريض الوحيد الذي يعاني، لكنه أفضل حالاً من آخرين يعانون أمراضاً مزمنة لم تعد أدويتها متوفرة، فمعظم أدوية الأورام أدوية المناعة، هرمون النمو، المصل المناعي لالتهاب الكبد، إبرة زمرة، أدوية السكري، هشاشة العظام مقطوعة أو يتم تأمينها بصعوبة بحسب موظفين في الصيدلية المركزية في دمشق، والذين يؤكدون أن جميع منتجات شركات دومنا، سيت فارما، معمل تاميكو مقطوعة.
هذه الشهادة تناقض تصريحات وزير الصحة سعد النايف الذي قال إن النقص الحاصل ما هو إلّا عبارة عن نقص بالاسم التجاري لبعض المعامل، والذي تعود المواطنون على استخدامه بشكل صيدلاني معين. قائلاً “أن هناك 62 نوعاً من الدواء مفقود ثلثها أدوية غير نوعية و22 دواء فقط هي المفقودة لكنها لا تهدد الحياة لأنه لدينا العديد من البدائل لكن للأسف المواطن السوري لا يقبل إلا الدواء ذاته وشكل الحبة نفسه ولون العلبة”.
ومن جهتها وافقت اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية على تزويد وزارة الصحة السورية، بأحدث أنواع لقاح شلل الأطفال لتلقيح جميع الأطفال السوريين دون الخامسة وتوفير كامل احتياجات سوريا من هذا اللقاح بشكل تدريجي حتى نهاية شباط / فبراير المقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن الإنتاج السوري من الأدوية كان يغطي قبل الأزمة قرابة 93 بالمئة من احتياجات السوق المحلية والنسبة الباقية وهي 7 بالمئة هي أدوية نوعية غير منتجة محلياً، كما كان الدواء السوري يصدر إلى 58 دولة في العالم.
آرام (35 عاماً)، صاحب صيدلية في باب توما تحدث عن “تضرر شريحة الصيادلة نتيجة نقص الأدوية وانخفاض أرباحها إلى النصف”، نقص الأدوية أرجعه آرام إلى “ارتفاع الأسعار وأجور الشحن وإلى الاحتكار الذي يمارسه أصحاب المستودعات لبعض الأصناف من أجل بيعها بأسعار مرتفعة”، وأعطى مثالا: “أدوية الضغط يحتكرها صاحب المستودع حتى يتم بيع جميع الأدوية البديلة”.
ويعتبر مصدر رفيع في وزارة الصحة رفض الكشف عن اسمه “أن الحل هو بالعمل على توفير الأدوية المحتكرة، وتوزيعها على كافة المستودعات بالتساوي وبأسعار موحدة، حتى لا يتم استغلال الناس من خلالها، وهذا بدوره يتطلب ظروف مناسبة”. فلا يمكن توفير الدواء بدون طرق شحن آمنة أو بوجود حظر اقتصادي يحول دون تأمين الأساسي والضروري منها. ويلفت المصدر إلى أن الاحتكار مثله مثل الأدوية المزورة عملية عالمية موجودة في كل دول العالم ولا يمكن حصرها ببلد معين.
المصدر في وزارة الصحة أكد لموقع “دماسكوس بيورو” أن “ارتفاع أسعار الأدوية جاء تلبية لمتطلبات الصناعة الوطنية، لتأمين المواد الأولية التي ارتفع سعر استيرادها نتيجة ارتفاع سعر الصرف، حيث وازنت وزارة الصحة ما بين مستلزمات ومقومات الصناعة الدوائية وقدرة المواطنين على شراء هذه الأدوية فكانت الزيادة في أسعار الأدوية مدروسة، حيث ارتفع بنسبة 50 بالمئة للدواء الذي يقل سعره عن 100 ل.س، و10 بالمئة للدواء الذي يقل سعره عن 200ليرة، و5 بالمئة للدواء الذي يقل سعره عن 500 ل.س”.
أما بالنسبة للأدوية المستوردة قال المصدر إنها “تخضع للتسعير كل ثلاثة أشهر وفقاً لأسعار الصرف ، لكنها تبقى بشكل عام أقل بكثير من أسعار مثيلاتها في الدول المجاورة”.
منظمة أطباء بلا حدود وصفت الوضع الصحي في سوريا بالكارثي وقالت رئيسة المنظمة الدكتورة ماري بيير آليي: “لقد أصبحت المساعدات الطبية مستهدفة والمستشفيات عرضة للتدمير والعاملون في المجال الطبي مطاردين”. وذكرت المنظمة في تقرير أصدرته أن 57 بالمئة من المستشفيات تضررت جراء أعمال العنف، ولم تعد نسبة 36 بالمئة منها قادرة على العمل. ولا تشمل هذه الإحصائيات العيادات الخاصة والمستشفيات العشوائية التي تعرضت للتدمير أو الأضرار.
الطبيب في مسشتفى المواساة الحكومي بسام (40عاماً)، تطرق إلى استهداف قوافل الإمداد بالأدوية واللقاحات من دون أن يحدد الجهة المسؤولة عن ذلك.وأبدى حزنه لوفاة سيدة أربعينية بسبب الفشل الكلوي بعد أن عجز الأطباء عن إنقاذ حياتها نتيجة النقص الحاد في المواد الطبية اللازمة لمعالجتها.
وتطرق الطبيب بسام إلى نقص الأدوية التي تعالج الحروق وضرورة توافرها، نظراً لأعداد ضحايا التفجيرات المتزايدة والحوادث المتفرقة، لافتاً إلى أن الأدوية التي تنتجها مصانع في مناطق تسيطر عليها المعارضة نفذت لدى وزارة الصحة ما جعلها غير قادرة على مساعدة هؤلاء الجرحى في وحدات الرعاية المركزية والمستشفيات، ما أدى إلى عدم استقرار السوق الدوائي في سوريا.