العلويون في سورية خائفون من الغد
“إنني كعلوي أعلن براءتي من هكذا نظام مجرم وأرجو أن تقبلوني عضواً فاعلاً في ثورتكم المباركة” رسالة وجهها أحد أبناء الطائفة العلوية معبراً عن تضامنه مع الثورة السورية التي بدأت في الخامس عشر من آذار/مارس الماضي، لينفي كافة الدعوات التي تقول إن أبناء الطائفة كافة يؤيدون القمع الذي تمارسه السلطة.
لكن في المنطقة الجبلية الساحلية التي تبعد نحو 250 كيلومتراً شمال غرب العاصمة دمشق والتي يتركز فيها علويو سورية، لا يحمل الكثير من الأهالي ذات النظرة المتعاطفة مع الثورة، فالخوف يخيم على ساحات القرى. “الطائفة السنية قررت الإنقلاب علينا وهدر دمائنا” هذه هي الفكرة المنتشرة بين سكان القرى، ويتبادلونها سراً وعلانية في مجالسهم وأحاديثهم، وينتظرون اللحظة التي تنقلب بها هذه المقولة إلى واقع.
تحتل الطائفة العلوية مركزاً بارزاً في كافة مؤسسات الدولة، ويتم تفضيل أبنائها على أبناء الطوائف السورية الأخرى (مسلميها ومسيحييها). فنجد مثلاً أن نسبة كبيرة من صحفيي الإعلام الحكومي من الطائفة العلوية، ونسبة كبيرة أيضاً من العاملين في الأجهزة الأمنية من ذات الطائفة، يضاف إلى ذلك المراتب العليا في الجهاز العسكري. فمن الطبيعي أن يشعر هؤلاء بالتهديد في حال سقوط الرئيس السوري بشار الأسد العلوي أيضاً.
يقول الضابط طارق البالغ من العمر 35 سنة: “المعروف عن باقي الطوائف وبالذات السنية أنها ناقمة علينا وأنها تريدنا أن نموت أو تنتهي فترة حكمنا”، هذه هي المقولة عينها التي تتردد بين سكان القرى. لكن لؤي حسين المعارض المنتمي إلى الطائفة العلوية يقول: “هذا الكلام كاذب، هم أشاعوا فيما بينهم أن الطائفة السنية ستهجم على القرى العلوية للإنتقام من كافة الجرائم التي ارتكبها النظام باسم العلويين، هم أشاعوا الخوف وهم يعيشونه، ولم ألاحظ أي شيء لدى الطائفة السنية، بل الطائفة العلوية أهدرت دمي أنا ابن الطائفة لأني اتحدث بهذه الطريقة، وها أنا أعيش في قلب العاصمة دمشق وبين أبناء الطائفة السنية ولم أجد فروقات بيني وبين أي شخص آخر سني أو علوي أو مسيحي أو درزي”.
عندما تدخل محافظة اللاذقية الساحلية حيث تسكن نسبة عالية من العلويين ترى عدداً كبيراً من الأعلام السورية وصور الرئيس معلقة على الشرفات وفي الطرقات. تشعر توتراً مخيماً على المدينة، تظنه توتراً يسبق الحرب. في مدخل اللاذقية تقع منطقة العروبية التي تسمى أيضاً باليهودية نسبة لفرقة عسكرية اشتهر ضباطها بالفساد مما جعل عناصر الجيش من المجندين يصفون الضباط باليهود. وعلى يسار العروبية هناك حي الرمل الفلسطيني، والذي بات يعرف بمعقل المظاهرات، مما جعل الأمن يحاصر هذا الحي ليدخله بعد ذلك بدعم من الجيش.
واجه حي الرمل الجنوبي الواقع بين البحر والشارع الرئيس المسمى طريق الحرش المصير نفسه، حصار أمني كثيف منع وصول أي مساعدات إنسانية او غذائية. التظاهرات في حي الرمل مستمرة، حتى أن البعض روى أن هناك تهديدات من قبل آصف شوكت (صهر الرئيس بشار الأسد) ومحاولة منه لرشوة الأهالي لعلهم يتوقفون عن التحركات الاحتجاجية.
لم تقتصر التظاهرات على حي الرمل الجنوبي، وإنما رافقتها أحياء أخرى، كمشروع الصليبة، والطابيات وحي السجن وشارع القوتلي حتى الشيخ ضاهر وسط مدينة اللاذقية، حيث تمركزت القوات العسكرية في ساحة أوغاريت القريبة من وسط المدينة، وكل هذه المناطق هي للطائفة السنية.
ربة المنزل أم قصي لا تصدق الأقاويل عن أن سبب المظاهرات هي رغبة المسلمين السّنة في الإنتقام من الجيران العلويين وتقول: “هم كلاب أثاروا شائعات كاذبة بأن القرى السنية ستهجم علينا، لكن وطوال عمري لم أرى أي اعتداء أو شتيمة من مسلم سني لأي مسلم علوي، بل التعامل بين الطرفين دائماً مبني على احترام الطوائف”. الطالبة الجامعية الشابة نيرمين التي تشترك في المظاهرات تضيف قائلة: “قاموا بضربنا عندما قلنا حرية، ويرددون وهم يضربوننا “بدكن حرية بدكن حرية” أولاد الكلب يعتقدون أن الحرية بأيديهم وبأيدي هذه الطائفة، فأنا سلفية إن أرادوا لكني لن أصدق أكاذيبهم أن الطائفة السنية تريد قتل العلويين كما أشاعوا”.
لكن الإشاعة يصدقها آخرون من أبناء الطائفة العلوية القاطنين في القرى والمدن لتشكل هذه المناطق الذخيرة الحية للكثير من الشبيحة المتطوعين مع رجال الأمن والجيش في هذه الأحداث. الشاب جعفر (24 عام) أحد هؤلاء المتطوعين: “قاموا بجلبنا من قرانا ويعطونا 1000 ليرة سورية (20 دولارا) في اليوم الواحد على أن نقوم بقمع التظاهرات مع رجال الامن، يعطونا الهراوي ونضع شرائط ملونة على المعاصم لنتعرف على بعضنا البعض، ونقوم بضرب المتظاهرين السنة الذين يطالبون بقتل أبناء الطائفة”.
ينام جعفر لدى بعض أقاربه في المدينة الذين يباركون عمله ويؤازرونه في الكثير من الأوقات. يقول جعفر إن عمه ضابط في المخابرات، وهو الذي دبر له هذا العمل: “يقوم كل يوم بتشجيعي على الوقوف مع أبناء الطائفة لأننا في الوقت الحالي إن لم نقف معهم فالمستقبل سيكون سيئاً جداً بالنسبة لنا نحن شباب الطائفة”.
قد يكون المستقبل وفقاً لجعفر مرهون بنهاية هذه الأحداث، لكن أهالي القرى وعلى لسان مختار ضيعة الهنادي الجبلية يقول: “هناك الكثير من السلبيات في هذه الأحداث، لكن أن يتم قلب نظام الحكم فهذا وبال على أبناء كل الطائفة، فلا عمل هنا ولا مساكن تتسع للجميع، فالعودة من المدن إلى القرى ستكون من نصيب الآلاف منهم إن تغير نظام الحكم”.
التحفز بادي على وجوه الكثير منهم، الكثير من أبناء الطائفة يقدمون على إجازات بلا أجر، ونسبة الهجرات والنزوح من بعض المناطق المحيطة بدمشق ومن بعض أحياء العاصمة زاد أيضاً.
رياض وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 33 سنة يقول: “حالياً أخذت أجازة بلا أجر، وبعد أن ارسلت عائلتي إلى ضيعتي الجوبه (تقع على بعد 10 كيلو متر جنوب اللاذقية) أجلس منتظراً نهاية الأحداث، فلا مجال للمراهنة في هذه الأوقات على قوة السلطة أو عنفها، فالذي يحدث أكبر من أي أزمة مرت على سورية، ونتمنى أن تبقى الطائفة هي الحاكمة، وإلا سنرحل”.