العائلات العلوية في حمص “بين نار المعارضة ونار النظام”

رهيف غانم*

ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء المتحدثين حفاظاً على سلامتهم

على أنغام صوت فيروز كانت حنان (34 سنة) تشرب قهوتها في صباح أحد أيام أيار / مايو من هذا العام، حين سمعت صوت قذيفة تسقط على حي عكرمة في حمص حيث تسكن. ساد الصمت بضع ثوان ثم عمت الضوضاء المكان وبدأ السكان بالتراكض باتجاه المدرسة الابتدائية حيث سقطت القذيفة. خوف وبكاء وصراخ الأهالي ملأ الحي بالإضافة إلى أصوات الإنذار المنطلقة من السيارات القريبة.

حنان التي يذهب ابنها أحمد (9 سنوات) إلى هذه المدرسة ركضت إلى موقع سقوط القذيفة: “وقفت مصدومة من هول المنظر لا أعلم ماذا أفعل. الغبار والخوف يملأ وجوه الأطفال الخارجين، فيما الدماء تغطي أجساد بعضهم، وصراخ الأمهات وبكاؤهنّ يصم الآذان. حاول البعض أن يمنعني من الدخول خوفاً من سقوط قذيفة أخرى لكن محاولاتهم باءت بالفشل واستطعت الإفلات من أيديهم. رأيت ابني في ساحة المدرسة يرتجف من الخوف. اتجهت نحوه واحتضنته وبدأت بتقبيله بشدة. حملته واتجهت نحو منزلي شاكرة الله انه لم يصب بأي أذى”.

انفجار طال حي عكرمة في حمص قبل عدة أشهر - يوتيوب
انفجار طال حي عكرمة في حمص قبل عدة أشهر – يوتيوب

حادثة القصف هذه واحدة من عدة هجمات تستهدف حي عكرمة حيث تسكن حنان، كان آخرها انفجار سيارة يوم 9 تموز / يوليو أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وجرح العشرات.

تعتبر أحياء عكرمة والزهراء والنزهة والسبيل في حمص مؤيدة للنظام السوري لأن غالبية سكانها من الطائفة العلوية مع وجود نسبة قليلة من السنّة والمسيحيين، وهو اختلاط سكاني يعود إلى زمن ما قبل اندلاع الثورة، إلا أن العديد من العائلات السنية تركت هذه الأحياء بسبب التوترات الطائفية، بالإضافة إلى الوضع الأمني السيئ، وهو وضع حذا أيضاً ببعض السكان العلويين إلى ترك هذه الأحياء والتوجه إلى مناطق آمنة في ريف حمص.

تقع هذه الأحياء على تماس مع أحياء حمص القديمة، والتي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وأكبرها كتائب الفاروق، والتي تشهد معارك مستعرة منذ نهاية شهر حزيران / يونيو، تقودها القوات الحكومية لاستعادة السيطرة عليها. يخاف سكان هذه الأحياء من التعرّض للانتقام جراء هذه العملية العسكرية، لا سيما وأن تقارير أشارت إلى انطلاق بعض أعمال القصف من الأحياء ذات الغالبية العلوية.

يقول فادي (30 سنة) وهو ناشط إعلامي معارض في حمص إن القصف الذي يشهده حي عكرمة وحي الزهراء لا يشكل سوى “واحد بالألف” من قصف قوات النظام لباقي أحياء المدينة. لقد تحولت الأحياء الموالية للنظام إلى مراكز عسكرية تنطلق منها الهجمات على الأحياء المعارضة، إضافة إلى تمركز أسلحة ثقيلة في شوارعها كالدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ والتي تُقصف منها أحياء حمص القديمة، حسب قول فادي.

ويضيف الناشط قائلاً إن القصف هو ردة فعل ونوع من سياسة توازن الرعب: “أنا ضد هذه الخطوة وكنت أتمنى من بعض الكتائب أن لا تمارس نفس سلوك النظام. لكن في النهاية لابد من استخدام الورقة الأخيرة التي في يدنا والتي من الممكن أن تردع النظام عن قصف الأحياء المعارضة له، لكن للأسف سكان تلك الأحياء لم يقتنعوا بعد بأن النظام لا يهتم بهم وكل ما يهمه هو التمسك بالسلطة”.

ويتهم بعض المعارضين في حمص العلويين بطرد عشرات العائلات من الطوائف الأخرى ونهب المحال التجارية العائدة لهم وبيع محتوياتها في ما أصبح يعرف بـ”سوق السُّنة“، كما يرون أن هذه الأحياء تحولت إلى مراكز اعتقال شبان من الأحياء المعارضة غالبيتهم من الطائفة السنية.

إلا أن القصف الذي يستهدف الأحياء التي توصف بكونها موالية يطال عائلات من طوائف متنوعة وتضم أطفالاً، ولا ينطبق عليهم وصف “الشبيحة” الذين يتهمون بمساعدة قوات الأمن.

“عشرات قذائف الهاون والصواريخ محلية الصنع سقطت على أحياء عكرمة والزهراء والنزهة بحجة موالاة النظام”، يقول ربيع (25 سنة) ويشير بيده إلى منزل تسكنه عائلة مسيحية في حي عكرمة بدا شبه مدمر بعد سقوط صاروخ عليه ويشرح قائلاً: “هنا قتلت عائلة بأكملها، أب وأم وأطفالهم الثلاثة، لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب، ليسوا علويين وليسوا ضد الثورة، ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في هذا الحي”.

تتذكر هديل (32 سنة) وهي من السكان السنّة في حي عكرمة سقوط القذيفة على المدرسة في شهر أيار / مايو الماضي وتقول: “أرجو ألا تتكرر تلك الحادثة. فالقذائف لا تفرق بين موالٍ ومعارض ولا بين طفل أو امرأة وأغلب ضحايا تلك القذائف هم من النساء والأطفال. ولم يقتل جندي واحد من الجيش أو من الأمن بهذه القذائف”. وتضيف قائلة إنها ولدت في هذا الحي وتزوجت فيه وهي لا تنكر خوفها في بعض الأوقات من ردة فعل انتقامية من بعض الأهالي الذين فقدوا أبناءهم: “للأمانة في بداية الثورة جاء إلينا بعض الجيران من الطائفة العلوية لكي يطمئنوننا وقالوا لنا إن أردتم مغادرة الحي فهذا شأنكم، وإن كنتم ترغبون في البقاء فهذا حيكم ونحن أخوتكم وجيرانكم ولن نسمح لأحد أن يتعرض لكم حتى ولو بكلمة واحدة. والزيارات ما زالت متبادلة بيننا وبين جيراننا، لكننا نتجنب الحديث في السياسة”.

أما عبير (38 سنة) فتسكن في حي الزهراء الذي يتعرض أيضاً للقصف من الأحياء المعارضة. نزحت عبير معلمة اللغة العربية من حي باب السباع في بداية الأحداث بسبب انتمائها للطائفة العلوية، وبالرغم من كونها معارضة،  تقول: “هذا لن يحميني من انتقام و ثأر بعض الأشخاص ممن استشهد إخوتهم وأقاربهم.”

لا تملك عبير وعائلتها المال الكافي لمغادرة سوريا، كما لا تستطيع الانتقال إلى مخيمات اللاجئين لأن جميع من في المخيمات هم من أبناء الطائفة السنية، حسب قولها. تخاف عبير من التحدث عما يجري في سوريا أمام أبناء طائفتها وما زالت تتواصل مع بعض جيرانها السابقين من السنة في حي السباع لتطمئن على أحوالهم، وهي ترى أن كل من السنة والعلويين هم ضحايا الحرب. وتضيف قائلة: “غالبية سكان حي الزهراء من العلويين محاصرون كغيرهم من أبناء حمص في المناطق المعارضة. نحن واقعون بين نار النظام ونار المعارضة!”

* رهيف غانم هو اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا