الشباب من “الإخوان” السوريّين في الأردن يتطلّعون إلى العودة

رأفت الغانم

لم تشاهد زهراء (25 عاماً) مدينة حلب التي تتحدر منها، ولا حتى أي جزء آخر من سوريا. ولدت زهراء في بغداد، حيث انتقلت عائلتها التي تنتمي إلى جماعة “الإخوان المسلمون” بعد الأحداث الدامية بين النظام السوري والجماعة في حماه وحلب في الثمانينات من القرن الماضي. ثم انتقلت العائلة إلى عمان، تاركةً العاصمة العراقية وراءها إثر اندلاع حرب الخليج الأولى في العام 1990. لكن هذه الغربة القسرية لم تقطع الارتباط بين زهراء ووطنها.    

زهراء
زهراء في إحدى المظاهرات الداعمة للثورة السورية

 

“سوريا التي لم أرها تعيش في داخلي،” تقول زهراء من وراء النقاب بلهجة حلبية، منعها والدها منذ الصغر من التحدث بغيرها.

يأمل عدد كبير من أبناء وبنات العائلات الإخوانية التي تركت سوريا بالعودة إليها بعد سقوط  النظام، كما قال هؤلاء الذين التقاهم موقع “دماسكوس بيورو”.

يُقدَّر عدد السوريّين الذين غادروا سوريا إثر الأحداث الدامية في الثمانينات بنحو مئة ألف، بحسب الدكتور ياسين الغضبان، أحد أقدم المنتمين لجماعة “الإخوان المسلمون”، ويضيف الغضبان أن أعدادهم بالإضافة إلى المتحدرين منهم وصلت خلال فترة الثلاثين عام الماضية إلى نحو مليون سوري. ويقدر أن السوريين الذين انتقلوا إلى الأردن في تلك الفترة يبلغ عددهم وعدد أعضاء عائلاتهم حالياً نحو مئة ألف، لم يتم منحهم الجنسية الأردنية. وتمتنع السلطات الأردنية عن ذكر أعدادهم أو أعداد من تحدر منهم بسبب التوازنات الديمغرافية في الأردن، ووجود حساسيات بين الأردنيّين من جهة، والوافدين من دول عربية والمجنسين من جهة أخرى.

من بين أبناء العائلات الإخوانية ثمة من لم يتّبع خطى والديه في الانتماء إلى الحركة، مثل أحمد (21 عاماً)، وهو طالب جامعي، الذي يقول إنه لم يمارس أي نشاط سياسي ولم تختلف حياته بعد بدء الثورة، مع أنه يرى أن نظام بشار الأسد سيسقط وهو في شوق كبير للعودة إلى سوريا.

إلا أن عدداً كبيراً من الشباب يُعتبرون الجيل الصاعد من “الإخوان” وهم يتحدّرون من العائلات التي أتت في الثمانينات، ينخرطون بطريقة أو بأخرى بالثورة السورية.

فبينما عبر عدد قليل منهم الحدود وتطوع في صفوف “الجيش الحر”، انخرط العدد الأكبر في جمعيات تطوعية تعمل على إغاثة المدنيين وتقديم المساعدة في مجال الإعلام إلى مجموعات معارضة داخل سوريا، أو تنشط في تقديم المساعدات إلى اللاجئين السوريين في الأردن.

“مع اندلاع الثورة أحسست بنافذة فتحت،” تقول زهراء، التي تنتمي بدورها إلى جماعة “الإخوان المسلمون”، مضيفة أنها لم تكن تتخيل أن شيئاً مماثلاً قد يحدث.

حرصت زهراء على حضور الاعتصامات أمام السفارة السورية في بداية الاحتجاجات العام 2011، كما تابعت المؤتمرات السياسية التي نظمتها حركة “الإخوان المسلمون في سورية”، التي تتخذ من لندن مركزاً لها. كان آخر المؤتمرات التي حضرتها زهراء “المؤتمر الأول لشباب الإخوان المسلمين في سورية” الذي عقد في اسطنبول في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقد حضر المؤتمر ممثلون عن “حركة حماس” الفلسطينية و”حركة النهضة” التونسية وحركة “الإخوان المسلمون” في مصر، وجرى التشديد خلاله على تفعيل دور الشباب في الحركة.

ويرى حسن، وهو شاب في أواخر العشرينات من عمره يتحدر من عائلة تنتمي إلى “الإخوان”، أن الجماعة هي الحزب السياسي السوري الوحيد “المتماسك” حالياً، بعد أن استطاعت إعادة تنظيم صفوفها في الخارج، بينما الأحزاب المعارضة الأخرى قضى عليها النظام وأصبحت غير موجودة، بحسب رأيه.

ويستعرض الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية تجربة “الإخوان” السوريين في الأردن، قائلاً إن السلطات الأردنية  سمحت لأعضاء الجماعة بالتعبير عن آرائهم في البداية، ولكن سرعان ما انقلب الوضع  بعد المصالحة التي حدثت بين الملك حسين والنظام السوري في منتصف الثمانينات. وبقيت علاقتهم منذ ذلك مع الحكومة الأردنية تحت اتفاق ضمني، يقضي بعدم ممارسة أي نشاط سياسي.

يضيف أبو هنية أن الإخوان بقوا معزولين عن المجتمع الأردني، كما أنهم انقطعوا عن أي نشاط سياسي حتى بداية الاحتجاجات في سوريا. حينها برز الفارق بين الجيل الجديد وجيل الآباء، الذي يعاني شيئاً من اليأس، بحسب أبو هنية.

“التعليم و(الإنترنت) والعولمة كل ذلك دفع أبناء الجيل الشاب إلى المشاركة بالثورة السورية والمطالبة بحقوقهم كسوريين… وهو جيل يمتلك طموحات أكبر،” يضيف أبو هنية.

يتأمل من التقاهم موقع “دماسكوس بيورو” خيراً في مستقبل سوريا. بينما يعتقد حسن أن الفوضى ستعم سوريا بعد سقوط النظام، وهو الهدف الذي يجمع فصائل المعارضة الآن بحسب رأيه، إلا أنه يثق أن وعي الشعب السوري وتسامحه كفيل بإنهاء المشاكل في المستقبل.

“أملنا بالله كبير،” يضيف حسن.