السلل الغذائية” تعددت الإستعمالات والمادة واحدة “

 خاص“ دماسكوس بيورو”

يقول علي عباس “الحاجة أم الاختراعات والنزوح والده”.

 (داريا, سوريا) – لم تجد أم ياسر النازحة مع عائلتها من مدينة داريا إلى خان الشيح أمام إلحاح ياسر ابن التسعة أعوام أن تصنع له بعض الحلوى سوى أن تحضّر له الكنافة، من مادة ” السباكيتي”،  بعد

عينة من المواد التي تتضمنها المساعدات الإغاثية من صفحة مبادرة أهل الشام على موقع فايس بوك
عينة من المواد التي تتضمنها المساعدات الإغاثية من صفحة مبادرة أهل الشام على موقع فايس بوك

سلقها ووضع بعض السمن والسكر عليها لتغدو تلك الوجبة من أشهر المأكولات المتبكرة في محيطها ومن أقلها تكلفة.

يعاني المواطن السوري ظروفاً معيشيةً صعبةً في ظلّ الأزمة القائمة في بلاده، ولا سيما النازحون الذين اضطروا مجبرين إلى ترك ديارهم واللجوء إلى مناطق أكثر أمناً ضمن بلدهم الأم سوريا, ومع ضيق الظروف وقلة فرص العمل والاعتقالات التي طالت الكثير من معيلي الأسر النازحة, لم يجد السوريون خياراً أمامهم يساعدهم على الاستمرار والتأقلم مع الصعوبات وقلة المال سوى “السّلل الغذائية”.

المنظمات والجمعيات المعنية بأمور النازحين في الداخل السوري، سواء عن طريق الهلال الأحمر أو مبادرة أهل الشام أو الجمعية السورية للتنمية، توزع “السلل الغذائية” التي غالبا ما تحتوي على: السكر، الأرز، البرغل، الفول، العدس، الزيت والمعكرونا وأحيانا السمن والحمص الذي يكون بديلا عن العدس. ونادرا ما توجد بعض المعلبات الغذائية. ويعمد عدد كبير من النازحين إلى توظيف محتويات السلل الغذائية حسب احتياجاتهم واحتياجات أسرهم.

تقول أم محمد (45 عاماً) نازحة من مدينة داريا إلى بلدة زاكية في الريف الغربي، أن فقدانها لزوجها وابنها الوحيد دفعها للاعتماد على المساعدات الغذائية التي غالبا ما تكون ثابتة المحتويات كمّاً ونوعاً. ولكي تستطيع أم محمد إدارة تلك المواد حسب حاجتها لجأت كغيرها من نازحي منطقتها إلى استخدام بعض المواد الغذائية بطرق غير تقليدية.على سبيل المثال، تصنع أم محمد من مادة العدس التي تتوفر دائما  بكميات لا بأس بها في  السلل الغذائية “الفلافل”،  تلك الأكلة الشهيرة في الشام, وتقول “أستطيع إطعام جميع أحفادي الذين فقدوا آبائهم فأنا أم لشهيد ولابنة فقدت زوجها وهذه هي الطريقة الأنسب التي تُؤمّن عدداً وفيراً من الأقراص لإطعام الأحفاد التسعة، وبذلك أضمن امتلاء معداتهم على أكمل وجه”.كما تستخلص من  بعض الأرز الذي يتوفر بكميات كبيرة  مادة النشاء التي تستخدمها في صنع بعض الأطعمة.

حال أم محمد كحال جارتها بالنزوح أم هاني (35 عاماً) ابنة مدينة المعضمية، والتي تستخدم مادة المعكرونا  “سباكيتي” بدل “الشعيرية”  أثناء تحضير الأرز وأحيانا في طهي الحساء.

في حين اعتاد رامي استخدام مادة البرغل في تحضير وجبة  الكباب بالبرغل البديل عن كباب اللحم المشوي، يحدثنا مبتسما واصفاً نفسه بأنه ” شيف ” على التلفاز “استعيضوا عن اللحم بالبرغل، وبعد وضعه في الماء لفترة ضعوا قليلا من البطاطا، واخلطوهم جيدا ومن ثم أضيفوا البقدونس والبصل والبهارات، وبعدها قوموا بشوائه وتذوقوا طعم الكباب بالبرغل وصحتين وهنا “.

 فيما لجأ الكثيرون إلى استخدام الزيت والسمن الذي يتواجد أحيانا  مع المواد الغذائية عوضا عن ” اللحم والدجاج ” في طهو بعض الأطعمة.

وكنوع آخر من محاولات التأقلم مع الظروف عمد كثيرون إلى استخدام قشور بعض الفاكهة كالبطيخ والبرتقال لصنع (المربى) عوضا عن المربى الذي كان يحضرونها من فاكهة المشمش وغيرها.
في حين وجد آخرون  مجالاً آخر لاستخدام المناديل الورقية التي تُوضع أحيانًا مع السلل الغذائية ليتم استعمالها في صُنعِ «شمعةٍ» تنير عتمة انقطاع التيار الكهربائي، ويعلل الكثيرون ذلك  «هذه الطريقة لصنع الشموع سهلة سريعة وتدوم لوقتٍ أطول مما هي عليه الحال مع الشموع العادية، و توفر بعض المال”.
يتمنى الكثير من النازحين أن توضع بعض المواد الغذائية التي يحتاجونها ضمن السلل، وأن تصل كميات تلك السلل كاملة دون نقصان، وأن تضبط عمليات السرقة التي يسمعون عنها.

علي عباس المتطوع في الهلال الأحمر والعامل في واحدة من النقاط التابعة لشعبة بلدة الكسوة الواقعة في الريف الغربي يجيب ردا على سؤال عن سبب عدم تغير المواد الغذائية الموجودة في السلل “إن القائمين على البرنامج الغذائي العالمي يحرصون على أن تكون الوجبة الغذائية متكاملة من جهة البروتين والنشويات وأن هذا هو السبب الرئيسي”. وحول صحة ما يشاع عن عمليات السرقة قال  بعض المتطوعون في العمل الإغاثي أن تلك العمليات تتم في المناطق التابعة لقوات النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته على حد سواء,  وأن كثيرا من المواد تتم سرقتها على حواجز النظام قبل أن تصل إلى المنطقة المراد توزيعها فيها، حيث تبدأ السرقات وتنتهي حسب المنطقة وحسب القائمين على توزيع الوجبات الغذائية, فأحيانا  تبدأ من الشعبة مرورا بالحواجز وتنتهي في المنطقة ذاتها. وإضافة إلى السرقات هناك صعوبة في وصول المواد من مركز التوزيع الرئيسي والذي يطلق عليه اسم الشعبة.

وبحسب عباس فهم  كثيرا ما يعانون من استجرارالمخصصات للنقطة التي يعمل بها، وأنّ هناك  تأخيراً يحدث فلا تصل  المواد كما يجب، ويعزو ذلك إلى عدة أسباب أهمها, عدم تعاون شعبة المنطقة التابعين لها بالشكل المطلوب.

ومع اختلاف الظروف وصعوبتها, تنوعت الابتكارات وتعددت الأساليب للاستمرار بحياة ربما تحفظ كرامة من تبقّى من السوريين على الرغم من كل التحديات التي تواجههم، فكما يقول علي عباس “الحاجة أم الاختراعات والنزوح والده”.