الدراسة في جامعة حلب ضحية الحرب

لينا الحكيم*

ملاحظة: غيّر فريق التحرير أسماء بعض المتحدثين حفاظاً على سلامتهم.

منذ بداية الحراك الثوري خرج العديد من طلاب جامعة حلب إلى شوارع المدينة حاملين أقلامهم وحناجرهم، يهتفون للحرية وإسقاط النظام السوري. لكن مع دخول مدينة حلب الثورة المسلحة ودائرة القصف والتهجير في آب/ أغسطس 2012، أصبح العام الدراسي (2012- 2013) ضحية إضافية. فبعض الطلبة عانى النزوح والبعض فضّل الإنضام إلى كتائب “الجيش الحر”، وبعضهم عانى الملاحقة الأمنية مما اضطره لمغادرة البلاد.

لوائح العلامات التي صدرت بعد الامتحانات النهائية هذا العام التي اختتمت في منتصف تموز/ يوليو تشير إلى نسب غياب تعدت الثلاثين بالمئة في معظم الكليات. في كلية الطب البشري تغيّب 980 طالباً من أصل 3215 طالباً مسجلاً، أي ما يعادل 30.5 بالمئة . أما في كلية الصيدلة، غاب 626 طالباً من أصل 1695 طالباً وهي نسبة غياب تعادل 37 بالمئة. وفي كلية الهندسة المعلوماتية بلغت نسبة الغياب 872 من أصل 2321 طالباً مسجلاً أي بنسبة 37.6 بالمئة.

صبغ أحد الشوارع باللون الأحمر ضمن حملة احتجاجية على قصف الجامعة في كانون الثاني/ يناير – يوتيوب
صبغ أحد الشوارع باللون الأحمر ضمن حملة احتجاجية على قصف الجامعة في كانون الثاني/ يناير – يوتيوب

أحمد، وهو ناشط إعلامي معارض لا يتقاضى أجراً، انقطع عن دراسته في المعهد الهندسي بسبب وقوع الجامعة في منطقة تحت سيطرة القوات الحكومية، وهو لا يستطيع العبور إليها لأنه مطلوب لأجهزة الأمن.

يعترف أحمد أن الثمن الذي دفعه مقابل موقفه المعارض كان باهظاً، ولكنه رغم ذلك يبدي إصراراً ويقول: “سأواصل العمل الثوري لنسقط النظام وأتزوج خطيبتي التي تنتظرني منذ عام”.

يقول أحمد إنه يعتمد على المال الذي ترسله عائلته التي لجأت إلى تركيا وتتلقى بدورها إعانات من الحكومة التركية،  ويضيف “بلغت ديوني حوالي الألفي دولار”.

فؤاد وهو طالب في كلية الهندسة الميكانيكية غادر البلاد وهو في سنته الثالثة وكان من المفترض أن يكون يتخرج هذا العام. كان فؤاد من مؤسسي “تنسيقية جامعة الثورة” واعتقل في بداية الاحتجاجات العام 2011 ثم أطلق سراحه، ومن بعدها غادر إلى المملكة العربية السعودية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه ولكنه يعيش هناك حالياً عاطلاً عن العمل ومنقطعاً عن الدراسة.

يقول فؤاد “الجامعات (في السعودية) مكلفة وعائلتي تمر بأزمة مالية… كان من المفترض أن أتخرّج هذا العام وأكون مهندساً وأتقدّم لخطبة حبيبتي التي ما زالت تنتظرني في حلب وأنا بلا مستقبل”.

أما أيمن، وهو طالب في كلية العلوم في قسم الكيمياء، فيقيم حالياً في مدينة غازي عنتاب التركية، بعد أن استدعي من الأمن قبل الإمتحانات النصفية التي كان يستعد لها في كانون الثاني/ يناير مما اضطره للمغادرة مباشرة، وهو يعمل الآن في معمل أحذية براتب 150 ليرة تركية أسبوعياً ( حوالي 77 دولار أمريكي). يقول أيمن “عانيت كثيراً حتى حصلت على هذا العمل فأنا لاأملك إقامة تركية ولا حتى جواز سفر، فقد أتيت إلى هنا بالتهريب ولا أحمل شهادة جامعية”.

ويشير أيمن باستياء إلى أن بعض العاملين غير المتعلمين يحصلون على مرتب أعلى منه لأنهم كانوا يعملون بهذه المهنة قبل لجوئهم، ويضيف “أتمنى لو لم أقضِ حياتي في الدراسة وتعلمت مهنة يدوية ما، كانت نفعتني اليوم أكثر من علمي”.

بالإضافة إلى الطلاب المعارضين الذين انقطعوا عن الدراسة في جامعة حلب هناك طلبة غير منخرطين في النشاط المعارض، لكنهم تركوا سوريا هرباً من الموت والأزمة الاقتصادية ولم يتمكنوا من العودة لتقديم امتحاناتهم.

غادر محمد سوريا هذا العام بعد توقف عمل والده وانقطاع مدخول عائلته وهو طالب في السنة الثانية في كلية التجارة والإقتصاد إلى أوروبا. (رفض محمد تسمية الدولة بسبب صغر حجم الجالية السورية فيها مما قد يكشف أنه تحدث إلى موقع “دماسكوس بيورو”).

أمّن له أقرباؤه هناك عملاً في معمل للألبسة بمدخول 600 يورو (حوالي 780 دولار أمريكي). يقول محمد: “لا أستطيع العودة، فعائلتي تحتاج إلى مورد مالي. لو استطعت إنهاء تعليمي الجامعي لوجدت فرصاً أفضل للعمل، لكن الحمد لله، فسواي ما زالوا يبحثون عن عمل دون فائدة”.

أما عبد الرحمن، وهو طالب في كلية الهندسة الكهربائية، بقي لديه سبع مواد ليغدو مهندساً. سافر عبد الرحمن مع عائلته إلى مصر، عمل في شركة اتصالات فترة قصيرة ثم في إعطاء الدروس الخصوصية لمادة الرياضيات، وهو الآن عاطل عن العمل. يقول محمد “لم أستطع التسجيل في جامعة أخرى هنا فتعديل المواد سيعيدني سنتين إلى الوراء وهذا أمر صعب وأنا موشك على حمل شهادتي بيدي”، يأمل عبد الرحمن أن يتمكن من تقديم امتحاناته في سوريا ضمن الفصل التكميلي في أيلول/ سبتمبر القادم، التي ستقام  بموجب مرسوم رئاسي صدر في تموز/ يوليو.

أما الطلبة الذين تمكنوا من تقديم امتحاناتهم فوضعهم أفضل بقليل، ففي ظل هذه الظروف والانقطاع الدوري للمياه والكهرباء والتعرض للخطر الدائم سواء من قذيفة مدفعية أخطأت الإحداثيات او قذائف الهاون، لا تعتبر الدراسة وتقديم الإمتحانات بالأمر اليسير. انقطاع الكهرباء يعيق تدريس المقررات العملية وإجراء التجارب في المخابر، مما يحتم الإكتفاء بالدراسة النظرية في الكليات التطبيقية.

أحد الأساتذة في جامعة حلب، الذي رفض ذكر اسمه والكلية التي يدرّس فيها، يعبّر عن أسفه للحال الذي وصلت إليه جامعة حلب ويقول “الظروف غير مساعدة على التعليم وتأخر بدء العام الدراسي أدّى إلى ضغط المقررات والتساهل في التصحيح ووضع الأسئلة، هذا جعل الطلاب يشعرون باللامبالاة اتجاه التعمّق في الدراسة؛ لقد تدنى الوضع التعليمي جدا”.

يقول الأستاذ إن صدور أكثر من مرسوم عن دورات امتحانية استثنائية وترفيع إداري أدى إلى تراجع الإعتراف بالشهادات السورية في العالم بشكل كبير. وينبه الأستاذ إلى سفر العديد من أعضاء الكادر التعليمي والإداري إلى خارج سوريا، مما أفقد الجامعة الكثير من الاختصاصيين واضطر الإدارة إلى تكليف أساتذة بتعليم مقررات لا تطابق مجال اختصاصتهم تماماً. ويضيف “هذا جعل العديد من المقررات تفقد قيمتها العلمية والطالب هو الذي خسر هنا”.

* لينا الحكيم اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا