الحضور التركي في الشمال السوري ومصير إدلب

"لا تزال سيناريوهات مستقبل إدلب غير واضحة المعالم، وسط ردود أفعال متعددة صادرة عن الأهالي رجحت خلالها كفة تأييد التدخل التركي الأخير"

بدأت تركيا أخيراً بنشر جنودها في محافظة إدلب السورية، والسبب الرسمي المعلن يندرج ضمن ترتيبات ضم إدلب الى مناطق خفض التوتر وفقا لمخرجات مؤتمر أستانة.
الخطوة العسكرية هذه داخل المحافظة رافقتها خطوات أخرى حيث افتتحت الشركة البريدية التركية لمقرها الأول في الداخل السوري في 11 أوكتوبر/ تشرين الأول 2017، وتحديدا بمدينة جرابلس الواقعة في ريف حلب الشمالي، وكذلك افتتاح فرع لها في مدينة الباب.
عضو المجلس المحلي في مدينة جرابلس أحمد محلي يوضح أن هدف الشركة تقديم خدماتها البريدية والبنكية والشحن لأهالي المنطقة من خلال ربط فرع جرابلس بكافة الأفرع المنتشرة على الأراضي التركية.
ويقول محلي: “في السابق كانت عمليات تحويل الأموال مكلفة للغاية، أما اليوم فإن المكتب يقدم خدماته لتكون عمليات التحويل أكثر سهولة ليس فقط لمنطقة جرابلس بل لكل منطقة درع الفرات”.
والجدير بالذكر أن هذه الشركة هي شركة البريد التركية الوطنية ويتبع لها بنك بذات الإسم، ولها أفرع منتشرة في كافة المدن التركية.
إضافة إلى هذه الشركة نشطت جمعيات التركية في الداخل السوري ومنها جمعية مصعب بن عمير الخيرية التركية، وتحديداً في ريف إدلب، وذلك لمساعدة الأسر المهجرة والفقيرة والمتضررة. محمد التركي (30 عاماً) أحد أعضاء الجمعية يقول لحكايات سوريا: “قدمنا مساعدات شملت مواد غذائية، أغطية، ملابس، سجاد، أدوية، دراجات هوائية والألعاب للأطفال.”
هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات افتتحت سوقاً خيرياً في ريف إدلب وهو مجاني بشكل كامل. مدير مشروع السوق محمد الطقش (35 عاماً) يقول لحكايات سوريا: “المول الشامل يضم عشرات المحلات توزع فيها ملابس، أحذية، أدوات مطبخية، مفروشات، سوبرماكت وكلها مجانية، وتستهدف الأخوة المتضررين من المهجرين قسرا من مدنهم وقراهم، إضافة لعوائل الشهداء والمعتقلين”.
ويضيف الطقش: “إن الإستفادة تكون عبر بطاقات تموينية للعائلات المستفيدة حيث يتم منح 50 عائلة من المستفيدين احتياجاتهم يوميا”.
كما كان للمؤسسات التركية الطبية أيضا دورها ضمن الأراضي السورية، وذلك إثر دخول الجيش التركي إلى جرابلس قبل نحو عامين. حيث أقامت وزارة الصحة التركية مشفى حمل عبارة “الجمهورية التركية-وزارة الصحة-مشفى جرابلس”.
تباينت ردود فعل السوريين حيال الحضور التركي في محافظة إدلب، ففي حين رآه البعض انقاذا للثورة السورية وحماية للمنطقة من سيطرة النظام وقصفه، وانعاشا اقتصاديا للمناطق المحررة. رآه آخرون إعلانا عن توقف الثورة وتجميد للقتال ضد نظام الأسد بعد سبع سنوات من الظلم والقتل والنزوح والفقر وكل أشكال المعاناة التي عاشها الشعب السوري.
عمر الحبيش (35 عاماً) يعتقد أن الحكومة التركية تسعى من خلال إجراءاتها على الأرض، الى تثبيت هيمنتها وسيطرتها الناعمة على العديد من مناطق الشمال السوري، كما أن دخول الجيش التركي الى إدلب من شأنه تعزيز تلك الإجراءات وفتح المجال للتوسع في المنطقة.”
من جهته يرحب منهل باريش (30 عاماً) بالتدخل التركي في المنطقة معتبراً أنه لـ “تخفيف او وقف القصف الروسي الشرس، وخاصة بعد الازدحام السكاني الكبير في منطقة إدلب، بعد تهجير أهالي ريف دمشق وحلب وحماه إليها”.
ويلفت باريش إلى “أن الالتباس الحاصل هو أن ما كان يسمى بالإرهاب بنظر تركيا والغرب تحول الى حليف لتركيا. بعد التفاهم مع هيئة تحرير الشام وتسليم الهيئة للجيش التركي نقاط حصار منطقة عفرين ومنع وحدات حماية الشعب الكردية من التقدم باتجاه إدلب أو باتجاه الساحل السوري كما كان مخطط لها. ويضاف إلى هذا التدخل الذي حصل بمنطقة الشيخ بركات ومحيط دارة عزة وأطمة وماإلى هنالك”.
ويضيف باريش: “يبقى السؤال ماالذي سيحدث في المرحلة المقبلة؟ هل ستقبل روسيا بالإتفاق وخاصة أنها تسعى للسيطرة على ريف حماه الشمالي ومناطق من ريف إدلب الشرقي، وبالتالي فالاتفاق معرض لأن يفضي لعودة النظام للمناطق الأخيرة بشكل أو بآخر” ويبدي باريش تخوفه من احتمالات “غير محمودة”.
المدير الإداري لمنظمة كلنا سوا محمود غزال (50 عاماً) يؤيد التدخل التركي في مناطق ادلب كونه الضامن الوحيد لوقف القصف الروسي عن المنطقة، والرادع لتقدم النظام وقواته وحلفائه باتجاه المناطق المحررة.
ويعتقد غزال “أن المنطقة إن لم تدخلها تركيا، فمن المحتمل أن يستعين الأميركيون بالأكراد للدخول إليها. تماما كما حدث في الرقة ودير الزور، لذلك فإن التدخل التركي هو أفضل الحلول المتاحة”.
ويضيف غزال: “من الغباء أن يفكر المرء أن تركيا تدخلت فقط لحماية المواطنين في إدلب، وإنما هدفها الأكبر للعملية هو حماية حدودها ضد وحدات حماية الشعب الكردية من خلال وصل منطقة عفرين بالجزيرة السورية. وبالتالي الحيلولة دون وصول الأكراد لحدودها الجنوبية”.
ويتابع غزال “من الناحية التكتيكية نحن مع تركيا، ومن الناحية الاستراتيجية هنالك تخوف كبير مما قد تتكشف عنه الضمانة الايرانية والروسية لاتفاق أستانة”.
حسناء الحراكي (27 عاماً) معلمة من مدينة جسر الشغور تعبر عن تأييدها الكامل للتدخل التركي بغض النظر عن كل الاحتمالات. وتقول: “يكفي أن ينعم الأهالي بقسط من الأمن والأمان، وحتى وإن كان الأمر سيأتي باحتلال جديد للمنطقة، لقد تعبت الناس وضاق بهم العيش، نريد أن نرتاح “.
لا تزال سيناريوهات مستقبل إدلب غير واضحة المعالم، وسط ردود أفعال متعددة صادرة عن الأهالي رجحت خلالها كفة تأييد التدخل التركي الأخير. ذلك التدخل الذي طرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل العملية التركية وما سيؤول إليه مصير إدلب عسكريا وإداريا، سيما وأن المنطقة تعتبر موقع التمركز الأبرز للمعارضة السورية.