ابنتي الوحيدة تريد أخاً

طفل متصاوب بقدمه من اثر القصف يجلس في الطريق مع اصدقائه

طفل متصاوب بقدمه من اثر القصف يجلس في الطريق مع اصدقائه

"كان عمر ابنتي عند حضوري إلى تركيا 5 سنوات ونصف السنة. لم يكتب لي القدر أن أنجب لها أخاً أو أختاً، بسبب مشاكل زوجي الصحية. ففكرت أنه ربما يكون العلاج في تركيا أفضل"

كانت فكرة اقناعي بالقدوم الى تركيا شبه مستحيلة. لم استوعب كيف سأترك أهلي وبلدي وبيتي. أترك كل شيء ورائي، ذكرياتي وجيراني، وأغادر ربما دون عودة.
كانت الفكرة صعبة وقاسيةً جداً. ولكن الشيء الوحيد الذي جعلني أقتنع وأرمي كل هذه الافكار خلفي، كانت سلامة ابنتي الوحيده!
كان عمر ابنتي عند حضوري إلى تركيا 5 سنوات ونصف السنة. لم يكتب لي القدر أن أنجب لها أخاً أو أختاً، بسبب مشاكل زوجي الصحية. ففكرت أنه ربما يكون العلاج في تركيا أفضل، وأن قدومنا ربما يكون فرصة للعلاج.
كانت أحوالنا المادية لا تسمح بالعلاج، فكل شيءٍ مكلف، وكان كل همنا البحث عن كيفية توفير إيجار المنزل أولاً، ومن ثم ثمن الطعام. ولكن بعد عمل زوجي بدأت الأحوال تتحسن تدريجياً. ظننت أنه حان الوقت لزور بعض الأطباء والبدء بالعلاج.
كان زوجي قد عرض نفسه على عدة أطباء في سوريا، وأجرى عملية، وبعدها رزقت بإبنتي. ولكن وضعه ساء من جديد، رغم الأدوية والعلاج. كان في البداية رافضاً فكرة العلاج في تركيا، وأن هذه قسمتنا من الحياة، وأنه لن يذهب إلى المستشفيات والأطباء من جديد.
كنت أعرف في داخلي أنه امر ممل أن تذهب إلى الأطباء. هذا عدا التكاليف الكبيرة، الأمر الذي لا يتماشى مع ما يتقاضاه زوجي من أجر. ولكن بعد عدة نقاشات بيننا وإصراري على الأمر، ذهب وهو غير راض عن هذا كله. ولكن في النتيجه ذهب.
كنت قد سألت عن طبيبٍ جيد، فذكروا لنا طبيباً سورياً، وقالوا أنه مختص في أمور الإنجاب. فأخذنت العنوان وأعطيته لزوجي. كان لا يبعد عنا مسافة ربع ساعة بالسيارة. وكان هذا أمراً جيداً. ذهب إليه زوجي، فطلب منه صوراً وتحاليل طبية يجريها في إحدى المشافي في مدينةٍ أخرى.
إضطر زوجي لأخذ إجازه من عمله، فهذه الأمور تتطلب أياماً، وخاصة ـنها في مدينه غير تلك التي نقيم فيها. أجرى زوجي الفحوصات اللازمة، وعاد بها بعد عدة إلى الطبيب، الذي أخبره أن تحاليله كان من المفترض أن تكون افضل، وهناك صعوبة الإنجاب. وصف الطبيب دواءً لزوجي، وبدأ زوجي بأخذ الدواء.
بعد عدة أيام، لاحظ زوجي أن حالة قدمه بدأت تسوء، وهو كان يتلقى علاجاً لتخثر الدم. ذهب على الفور إلى طبيبه الذي عالجه من أجل ساقه، فطلب منه أن يريه أنواع الأدويه التي يأخذها، وكانت الصدمه ان علاج الإنجاب يتسبب في تدهور حالة قدمه! وطلب منه إيقافه فوراً.
وقفنا عاجزين أمام هذا الأمر، فإن عالج مسألة الإنجاب تسوء حالة ساقه! فتوقف عن علاج مسألة الإنجاب بعد أيام فقط من أملٍ عشناه. كان الكل ينصحنا بخيار طفل الأنبوب.
وبعد إلحاح الجميع سألنا عن الأمر وتكاليفه. فكانت أيضاً صدمة أخرى. كانت تكاليف هذا الأمر تفوق كل توقعاتنا. كانت كلفة العملية تصل إلى 13 ألف ليرة تركية، أي مايقارب المليون ونصف المليون ليرة سورية!! ومن أين نأتي بهذا المبلغ، ونحن لا نملك إلّا راتب زوجي الذي يتقاضاه من عمله، وهو لا يكاد يسد حاجاتنا!
قررنا التوقف عن العلاج، والرضوخ للأمر الواقع. وخابت كل آمالي وتلاشت كل فرص الإنجاب. شعرت بيأس شديد، وكدت أدخل في حالة اكتئاب، لولا أن بدأت بتصبير نفسي وأن هذا أمر الله.
صراحة أنا لا أفكر في الانجاب مرة أخرى من أجل نفسي، ولكن أفكر كيف سيكون حال ابنتي في المستقبل. كيف ستكون وحدها، مهما كان لديها من أقارب أو صديقات. تبقى الأخت أو الأخ شيئاً آخر. هناك من تلجأ إليه في حال ضيقها. هذه الأفكار هي التي كانت تزعجني.
كانت ابنتي تكبر، وشعرت بهذا أيضاً عندما دخلت المدرسة. بدأت تطرح الأسئلة. لماذا ليس من أخ عندي يذهب معي إلى المدرسة؟ نلعب سوياً، يدافع عني إذا تعرضت للأذى من احد؟ أريد أخاً. كانت تطلبه وهي لا تعرف ما نعانيه من هذا الامر، وكأن الأمر كان بيدنا وتوقفنا عن الإنجاب بإرادتنا.
أصبح عمر ابنتي اليوم 11 سنة، ولم يتغير شيء، لا زالت نفس الأفكار تجاه ابنتي تراودني، بل وتكبر كلما كبرت ابنتي، وكبرت أنا.
طبعاً الجميع يشعر أنني متأقلمه مع وضعي، لاني لا اشتكي، ويظنون أن هذا الأمر لا يعنيني، ولكن ما الفائده من الكلام والشكوى! الكل سيقول نفس الكلام، عودوا للعلاج، جربوا طفل الأنبوب، أو هذا نصيبكم من الحياة! كلام سمعته كثيراً وصرت أكره تكراره.
طلبت من الجميع أن يكفّوا عن سؤالي عن الأمر، وأن يتركوني متناسية هذا الوضع، فكلامهم يشعرني بالنقص أو العجز، واكره نظرة الشفقه في عيون أحد. أتمنى أن يمنّ علي الله ويرزقني وكل من حرم نعمة الإنجاب أطفالاً حتى نقول اكتفينا. وننسى كل ما مررنا به من ألم ومعاناة. وتكون كل المرارة التي عشناها مجرد ذكريات نضحك عليها.
مريم احمد (35 عاماً) متزوجة وأم لطفلة واحدة وتبحث عن عمل.