أم نجم امرأة تصارع الحياة والكوابيس
وكأننا عدنا بالزمن إلى مضارب الخيام العربية
كانت تعيش في منطقة طيبة الإمام بريف حماة. أم نجم (38 عاماً) أم لثلاثة أطفال. تعمل هي وزوجها بالخياطة. حياتها بسيطة وهي سعيدة مع زوجها وأطفالها. وكانت فخورة لكونها استطاعت أن تكوّن هذه الاسرة.
لكن فرحة أم نجم لم تدم طويلاً. الحرب تقتل أحلام كل سوري وتدمر أسرته. دمّر الطيران الحربي آلاف الأحلام، وهدم منازل آلاف السوريين، دون أن يعير أي اهتمام للكوارث التي قد يسببها بعد تدمير الحجر من تدمير الأسر، وقتل أحلام أفرادها وتحطيم فؤادهم وتشريدهم بين الخيام حول الطرقات.
استيقظت أم نجم ذات يوم وصوت الطائرات تحلّق فوق منزلها. خائفة وهي وزوجها وأولادها حائرون ينظرون إلى بعضهم لا يعرفون ماذا يفعلون. لحظات قليلة من الرعب والخوف، استهدف الطيران بصاروخ منزلها، ودمّر أحلامها، وقتل زوجها. وفقدت أدوات مهنتها. والركام غطّى على كل شيء بنته في حياتها.
خرجت هي وأطفالها وبقي زوجها وحلمها تحت الركام. حزنت كثيراً على فقدان زوجها ولم تعرف بأي طريق ستسير. كانت لحظات مرعبة بالنسبة لها من شدة خوفها. لم تستطيع إخراج أي شيء من منزلها المغطى بالركام. ضمّت أطفالها خائفة قلقة، فهي باتت بدون معيل وأصبح خوفها على أطفالها يزيد.
استمرت حياتها مع النزوح من بقعة لأخرى حتى استقرت قرب المناطق الحدودية في ريف إدلب. ومع معاناتها وصعوبة الحياة استطاعت إيجاد خيمة تأويها هي والأطفال. خيمة أرضها التراب كانت هي المأوى الوحيد لها وللأولاد الصغار.
قضت الليلة الأولى في خيمتها، مرهقة تعبة. كيف ستتعايش مع هذه الحياة فهي لم تتعود العيش في خيمة من قبل. وبدأت معاناة أم نجم. ماذا تأوي الخيمة من حر الشمس، أم من غزارة المطر وقوة الرياح؟ لكن لا خيار آخر.
كان جلّ تفكير أم نجم ماذا ستعمل؟ وبدأت جولتها بالبحث عن أي فرصة عمل تعيلها وتعيل أطفالها. لكن دون جدوى. كيف ستطعم أطفالها؟ وكيف تسجلهم في المدرسة؟
استمرت بالبحث والبحث حتى وجدت فرصة عمل شاقة. تحطيم الصخور وتحميلها بالسيارة. عمل متعب حتى الرجال يتعبون من هذا العمل فكيف بامرأة! لأجل أطفالها قالت: “سأعمل لأجلكم حتى لو كان العمل شاق ومتعب مستقبلكم وحياتكم أمانة في عنقي”. هي المعيل الوحيد لهم بعد وفاة أبيهم.
وبدأت أم نجم بالعمل في تحطيم الصخور ونقلها. تمكنت من تسجيل أطفالها في المدرسة، وباتت تستيقظ صباح كل يوم تجهز الأطفال لذهاب إلى المدرسة. تؤمن فطورهم واحتياجاتهم ومن ثم ترتب خيمتها وتنظفها، وبعدها تخرج لعملها الشاق.
تتقاضى أم نجم على عملها 1500 ليرة سورية. قد لا تكفي لشراء كافة احتياجاتها. وأحيانا لا تكفيها لشراء الخبز. لكن ليس هناك بديل، فهي مضطرة للعمل. الأجرة قليلة لا تضاهي كمية التعب. عندما تنتهي من العمل تذهب أم نجم لشراء الحاجيات لتؤمن الغداء لأطفالها.
وتعود لخيمتها وتبدأ بتحضير الطعام ريثما يعود أطفالها من المدرسة. تكون قد جهزت لهم الغداء لتأكل معهم، بعد يوم شاق ومتعب. ومن ثم تمرح معهم قليلاً لتسعد أطفالها. هكذا أصبحت حياة أم نجم فهي الأب والأم والمعيل للأطفال. لكن ما يقلق أم نجم دخول فصل الشتاء. وتحت هذه الخيمة يكبر همها ويزداد العبء. فكيف ستؤمّن احتياجات التدفئة، فهي لا تعرف كيف ستقضي هذا الشتاء.
أجرة العمل قليلة وهم الشتاء يدق بابها، وتكاليف الحياة كثيرة. أم نجم تمضي الأيام بتعب جسدها وتعب فكرها، وهي ما زالت بأول شبابها، وهمها الوحيد أطفالها. لأجلهم تعمل عمل الرجال وتسعى لتأمين متطلباتهم. تصارع أم نجم الحياة جاهدة لتتغلب على العوائق والصعوبات.
تحلم أم نجم باستمرار، باللحظات التي مرت بها من رعب وفقدان زوجها، والخوف يطرق قلبها كل ما سمعت صوت الطيران في الأجواء. تصف أم نجم تلك اللحظات بالموت القريب. تشعر بالخطر والخوف على فقدان أطفالها كما فقدت زوجها. لكنها تقاوم جاهدة لتتغلب على هذا الكابوس، وتصارعه كما تصارع الحياة لتساعد أولادها على الحياة من جديد.