أقنعة واقية محلية الصنع لمواجهة الكيماوي
محمد البشير يختبر القناع الذي صنعه تصوير مربم محمد
"كل ما تحتاجه هو كمية معينة من القطن الطبي من الصيدلية، والفحم الحجري المستخدم في التدفئة، بالإضافة إلى علبتي مشروب غازي وشريط لاصق"
“بعد كيماوي خان شيخون، أبحث عن مكان آمن في منطقة مرتفعة، لأن الكيماوي أثقل من الهواء”. يقول محمد البشير (25 عاماً) الذي يدرس الطرق الآمنة له ولعائلته لتجنب القصف على أشكاله.
على البشير “تحديد نوع الضربات إن كانت كيماوي، أو صواريخ فراغية. فإن كانت فراغية لا بد من النزول للطابق السفلي”.
البشير وهو عامل بناء يبحث كغيره من أهالي مدينة كفرنبل عن حلول جديدة تحمي عائلته من الغازات السامة، كتلك التي ضربت في 4 ابريل/نيسان 2017 مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، هو ما أودى بحياة 100 مدني وأكثر من 500 حالة اختناق. وتم تحميل مسؤولية الهجوم لقوات النظام الحاكم في دمشق.
الجريمة أثارت الرعب في صفوف المدنيين. عدم توفر أقنعة واقية من الغازات السامة، وارتفاع ثمنها إن وجدت، دفع الأهالي إلى تصنيعها محلياً.
البشير وخلال بحثه وجد ضالته. “العملية بسيطة” يقول ويضيف: “لا تحتاج هذه العملية للكثير من المواد، وهي سهلة التصنيع، وهي في متناول اليد في الأسواق المحلية”.
ويوضح محمد البشير أن: “كل ما تحتاجه هو كمية معينة من القطن الطبي من الصيدلية، والفحم الحجري المستخدم في التدفئة، بالإضافة إلى علبتي مشروب غازي وشريط لاصق، وتقوم بتجميعها ليغدو لديك القناع الواقي من الغازات السامة”.
ينهمك البشير في تركيب هذه المواد على عجل. على محمد البشير إعداد 6 أقنعة له ولوالديه وأخوته الثلاثة.
نسبة لا بأس بها من سكان ريف إدلب الجنوبي اختاروا تصنيع الأقنعة الواقية من الغازات بحسب الطريقة التي اهتدى إليها محمد، بسبب سهولة الحصول على موادها، وطريقة تصنيعها البسيطة، على الرغم من عدم قناعتهم بجدواها في حمايتهم من الغازات السامة.
يشكك محمود السويد (26 عاماً) طالب جامعي في جدوى هذه العملية في الحماية من الغازات السامة، ويعتبر أنها لن تحميه، خصوصاً إذا كانت من نوع السارين السام الذي يلتصق بالجسد والملابس.
الحل الوحيد بحسب السويد هو شراء قناع واق من الأسواق مهما كان ثمنه، ويقول: “يجب توفير أقنعة واقية للجميع، فتلك المصنعة محليا غير مجدية، وتسبب صعوبة كبيرة في التنفس عندما ارتدائها”.
سومر الخطيب (26 عاماً) طالب اقتصاد يعلق على تشكيكات السويد بالقول: “الرمد أفضل من العمى”، ويطرح حلولاً أخرى لتفادي التعرض للغازات السامة “منها الصعود إلى مكان مرتفع حيث تعتبر الغازات السامة أثقل من الهواء، أو إحكام إغلاق حمام المنزل لعدم تغلل الغازات السامة إلى داخله”.
من جهته يحاول جميل الحسن (27 عاما) مهندس زراعي طمأنة نفسه، خصوصا بعد الضربة الأمريكية على مستودعات الكيميائي في مطار الشعيرات الذي انطلقت منه طائرات نظام الأسد، وضربت مدينة خان شيخون بغاز السارين، ويقول: “بعد الضربات الأمريكية على قاعدة الشعيرات لن يتجرأ بشار الأسد على استخدام الكيماوي مرة أخرى، لذلك علينا التفكير جديا بالبحث عن مكان آمن من الصواريخ الارتجاجية والفراغية”.
المادة الوحيدة في صناعة الأقنعة الواقية من الغازات في ريف إدلب التي تقي من الغازات هي الفحم الحجري، الذي يستخدم في الزراعة لامتصاص المواد الكيميائية الموجودة في التربة.
الدكتور إياد السطيف (37 عاما) شارك في معالجة مصابي مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية في 21 آب/أغسطس 2013 ونجا من الاعتقال، يقول السطيف: “إن استخدام الفحم الحجري في الأقنعة المصنعة محلياً يمكن أن يقي من الغازات السامة، ولكن من الأفضل استخدام أقنعة واقية أصلية إن وجدت”.
ويضيف السطيف: “في حال تعرضت المنطقة التي تقطن فيها للقصف بالغازات السامة، عليك ارتداء القناع الواقي إن وجد، إن كان صناعة محلية أو الأقنعة التي يستخدمها عمال الإنقاذ، والخروج إلى منطقة مرتفعة غير مغلقة، وخلع الملابس الملوثة بالغازات، وخلق جو شبيه بأجواء الشتاء”.
رئيس المكتب الإعلامي في المجلس المحلي محمود الخطيب (39 عاما) يرد أسباب عدم تمكن المجلس من توفير الأقنعة الواقية، إلى صعوبة الوصول إلى الأراضي التركية، والتعاقد على هذه المواد، وعدم امتلاك المجلس ميزانية كافية للحصول على الكمية التي تغطي سكان المدينة.
وكشف الخطيب أن المجلس يقوم بـ”التواصل مع عدد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ووسطاء من أجل الحصول على الأقنعة الواقية من الغازات السامة”. ولفت الخطيب “إلى أن جميع المنظمات قدمت حتى الآن وعوداً فقط من أجل تأمين هذه الأقنعة”.
يرتدي محمد البشير قناعه الذي صنعه محلياً، فيجد صعوبة كبيرة في التنفس، يعود مرة أخرى ليوسع الثقوب المخصصة لدخول الهواء داخل القطن والفحم الحجري، ويرتديها مجدداً ليعاني مرة أخرى من صعوبة التنفس، ويعاود الكرة مرة بعد مرة، حتى يصرخ بعد عناء طويل “لقد أصبحت جاهزة، لقد أصبحت جاهزة”.
ترتدي أم محمد القناع لتجريبه، وتنظر في محمد وتقول: “محمد هناك صعوبة في التنفس”. يدمدم محمد بينه وبين نفسه، ويعود مرة أخرى لتوسيع الثقوب.