أعضاء بشرية سورية للبيع

"رغم سهولة طريقة العرض والمفاوضة على الأسعار، إلا أن البائعين يجدون صعوبة في التنفيذ، كونه من المستحيل أن تجرى هكذا عمليات في مشافي الشمال السوري."

عامر (29 عاماً) عرض كليته للبيع في صفحة السوق التجاري الإلكتروني المختص بالشمال السوري المحرر، بعد أن ضاقت به السبل، ولم يجد طريقة أخرى أو فرصة عمل يعيل من خلالها زوجته وطفلتيه.
بات الإتجار بالأعضاء البشرية حقيقة لا يمكن نكرانها، هذا ما تؤكده الإعلانات رغم عدم التحقق من اتمام عمليات بيع مؤكدةـ وأصبح عرض هذه الأعضاء بين إعلانات قصيرة لبيع الأجهزة الخليوية والسيارات أو أي بضائع أخرى. ويكفيك الولوج إلى الأسواق الإلكترونية على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بمناطق الشمال السوري المحرر لترى إعلانات بيع متنوعة يعرض من خلالها الشبان عضواً أو أكثر من أجزاء أجسامهم مقابل مبلغ مالي بسيط.
علي (32 عاماً) من مهجري العاصمة دمشق، يقول: “بعد عناء والدتي مع مرض سرطان الجلد لعدة سنوات، اضطررنا فيها لبيع منزلنا الذي كنا نقطنه بدمشق، بالإضافة للديون التي تراكمت علينا، والتي كنا قد استلفناها من أصدقاء العائلة والأقارب، حيث تجاوزت المليوني ليرة سورية، نصحنا الطبيب بالسفر إلى إحدى الدول الأوروبية، حيث يُقدم العلاج مجاناً، عوضاً عن ثمن الجرعات وأجور المستشفيات المرتفعة التي ندفعها بين حينٍ وآخر، ولم أجد سبيلا لجني بعض المال لتأمين تكاليف السفر سوى الإعلان عن بيع إحدى كليتي بمبلغ ألف دولار أمريكي”.
أحد أهالي ريف دمشق يقيم في النمسا ويدعى ورد (25 عاماً) كان قد عرض كليته للبيع في أحد الأسواق الإلكترونية الأوروبية منذ عام تقريباً في ظل حصار مسقط رأسه، الزبداني يقول: “الدافع الأول والأخير لعرض كليتي للبيع هو الشعور بالعجز عن مساعدة أطفال الزبداني ومضايا المحاصرين من قبل النظام السوري لعدة أعوام، والشعور بالقهر لما يلقاه أولئك الأبرياء، ولم أكن قادراً على إيصال أية مساعدات عينية لهم، ولم أكن قادراً على كسب المال فلم أحصل على إقامتي بعد. فلم أجد سوى هذه الطريق لجني مبلغ مالي أساعد به أبناء بلدتي المحاصرين”.
لم يبع ورد كليته ولكنه تمكن بعد التواصل مع بعض الأصدقاء من جمع مبلغ مالي يوازي ثمن الكلية الذي يتراوح بين ألف و4 آلاف دولار أمريكي.
اقتصرت تعليقات متابعي صفحات الأسواق التجارية الإلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي على هذه المنشورات بالتحسب والدعاء، مع عرض البعض منهم لمساعدات بسيطة لا تذكر.
وقد اختلفت آراء المواطنين حيال هذه الظاهرة، فمنهم من اعتبرها كارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما هو حال أبو ثائر (24 عاماً) الذي قال لموقعنا: “أن هذه العروض والحال الذي وصل إليه سكان الشمال السوري كارثة بحق، ولن يشعر بهؤلاء الأشخاص الذين يعرضون أجزاء من أجسادهم للبيع سوى من يماثلهم في حاله ومعيشته”.
وأعرب أبو ثائر عن اعتقاده “لو أن أحدهم كان يملك أي شيء ممكن بيعه لما لجأ لبيع كليته أو غيرها من أجزاء جسده، ووصول هؤلاء الأشخاص إلى هذا الحال المتردي يلقى على عاتق المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في إدلب وريفها، والمجالس المحلية التي من المفترض أنها المسؤولة عن أحوال السكان المعيشية، وأرى أن مساعدة هؤلاء الأشخاص لتحسين أوضاعهم أولى من إقامة الحفلات والأنشطة الترفيهية التي قد تصل تكاليفها إلى آلاف الدولارات”.
أبو يعقوب (35 عاماً) أحد سكان مدينة إدلب يقول: “لا أرى ظروفاً تدفع الإنسان إلى بيع أعضائه البشرية مهما بلغت حالته سوءاً، فمن النادر أن تجد شخصاً لا يملك منزلاً أو قطعة أرض، وخاصةً أن معظم الأشخاص الذين قاموا بعرض أعضائهم للبيع من أهالي محافظة إدلب الأصليين، والأولى بهم أن يبحثوا عن فرصة عمل ولو كانت بأجور ضئيلة، أو بيع أراضيهم أو منازلهم وافتتاح مشاريع خاصة كما فعل الكثير من الأهالي من قبل، أرى هذه الظاهرة كأسلوب جديد للتسول على حساب عواطف المتابعين”.
وفي نظرة شرعية حول هذه الظاهرة يقول الشيخ عبد الرزاق إمام أحد مساجد ريف إدلب: “جسد الإنسان بناء بناه الله تعالى، وسما به عن البيع والشراء، وحرم المتاجرة به تحريماً قاطعاً، وإن أعضاء الإنسان ليست محلاً للبيع أو الشراء، وليست سلعة من السلع التي يصح فيها التبادل التجاري، فلا يجوز أن يبيع الإنسان عضواً من أعضائه إطلاقاً، وكل ما يأتي عن هذا الطريق بالنسبة لجسد الإنسان فهو باطل”.
يضيف الشيخ عبد الرزاق: “إذا تبرع الإنسان لغيره بعضو من أعضائه دون مقابل فهو جائز شرعاً، وذلك في حال صرح الطبيب المتخصص أن تبرع الإنسان بهذا العضو لن يصدر عنه أي أضرار، وتكون في أشد حالات الضرورة، وشرط أن يكون مبتغياً بها وجه الله تعالى”.
رغم سهولة طريقة العرض والمفاوضة على الأسعار، إلا أن البائعين يجدون صعوبة في التنفيذ، كونه من المستحيل أن تجرى هكذا عمليات في مشافي الشمال السوري.
يقول أبو قتادة الحكيم أخصائي الجراحة في ريف حلب الغربي: “لم نتعرض لمثل هذه المواقف في مشافي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، سواء في ريف دمشق أو في ريف حلب، ولم يعرض علينا أحدهم بيع أو شراء أحد الأعضاء البشرية، لكن وإن حصل ذلك فعلاً فمن المستحيل إجراء مثل هذه العمليات في مستشفياتنا، ولو كان ذلك تبرعاً”.
ويوضح الحكيم: “أن عمليات الاستئصال والزرع تحتاج بيئة خاصة نفتقرها، إضافة لانعدام الأجهزة الخاصة بإجراء الفحوصات اللازمة واختبارات تطابق الأنسجة، وهذا بغض النظر عن النظرة الشرعية حول هذه القضية، وبالتالي فمن الممكن أن تتم عمليات البيع والشراء في مناطقنا عبر الإنترنت، والاتفاق على السفر إلى تركيا أو إحدى الدول الأوروبية لإجراء هذه العمليات”.