أحكام التعزير وحفر الأنفاق على جبهات القتال في دير الزور
قال أمين وهو شاب من مدينة الميادين (32 عاما) “استلم مني الغرامة هنا، حتى من دون إيصال، بدلاً من مراجعة مركز الحسبة”. كان الكلام موجهاً إلى مسؤول دورية تابعة للحسبة في مدينة الميادين في محافظة دير الزور، لدى تسجيله مخالفة بحق زوجة أمين لعدم ارتدائها للباس الشرعي.
بعد مضي بضعة أشهر على فرض العقوبات المالية، بأمر من شرعيي التنظيم (رجال الشرع)، على المدنيين المتجاوزين، ومع قطع رواتب الموظفين لدى المؤسسات الحكومية، أصبحت العقوبة العينية بدلا من العقوبة المالية هي الأكثر شيوعاً.
لطالما سعى عناصر الحسبة لمنع المخالفات، وزيادة الثقة وعدم الخوف من أي زيارة مفاجئة لأي مسؤول في تنظيم دولة الخلافة الإسلامية الى مناطقهم. وبالتالي زيادة الثقة فيهم بل وكسبهم علامات الرضا لدى المسؤولين الأعلى رتبة. وإنطلاقاً من مبدأ “التعزير” الذي طالما بقي المجال فيه مفتوحاً للأمير أو للمسؤول الشرعي، سعى عناصر الحسبة لسن قرار جديد، ينص على تعزير المخالفين او أولياء أمرهم بالسجن لمدة يقدرها “الشرعي” مع المرابطة على جبهات القتال، وفي الصفوف الأمامية، فضلاً عن رفع السواتر أو حفر الخنادق كما يتطلب الوضع هناك.
راشد العمر (45 عاماً) من بلدة ذيبان المجاورة لمدينة الميادين تحدث لـ”دماسكس بيورو” عما جرى له “بسبب عدم ارتداء زوجتي للدرع، وهو قطعة قماش تسدل على أعلى الرأس إلى منتصف الجسد، تم توقيفي في سجن الحسبة في الميادين. وتم تحويلي بعدها إلى سجن الحسبة في بلدة البوليل، ومنه إلى جبهات المطار”. يتابع العمر “وضعونا على الخط الأول بمواجهة قوات النظام الذين كنا نسمع صيحاتهم أحيانا وهم يهددونا بالموت. كنا نتمنى الموت كثيراً فالخوف جمّد الدم في عروقنا فضلا عن التعب الجسدي الشديد”. العمر وبعد أيام على خروجه من الحسبة لا يزال يشعر بالتعب “كانوا يحددون لكل شخص أن يحفر مسافة 25 متر يومياً. والحفر يكون ليلاً وغالباً لا ننهي الحفر إلا مع طلوع الفجر، وبالتالي لم نستطع النوم أبدا”.
الخوف والتعب الجسدي والنفسي، كلها تنهال على المدنيين المعاقبين بالحفر ورفع السواتر. يصاحب ذلك تواتر التهديدات من قبل مقاتلي الدولة الإسلامية، كما يروي صالح سليمان (27 عاماً) “ضبطني أحدهم متلبسا بتدخين السجائر بالقرب من منزلي. تم سحبي إلى الحسبة، وبعدها إلى أحد المقار القريبة من المطار. بقيت لمدة ثلاثة أيام على الجبهات، في النهار ننام بمقر لا يمنع صوت القذائف ولا يقينا شظاياها، وفي الليل نبدأ برفع ساتر ترابي عند الخط الأمامية”. ويضيف “عندما يحل بنا التعب، نحاول أخذ استراحة بعيداً عن أعين الحراس. ولكن غالبا ما يكونون حذرين ويهددونا بإخراجنا على أعلى الساتر، أي نكون هدفا لقناصة النظام”.
عمل مقاتلو الدولة على زرع الرعب والخوف في قلوب الأهالي من خلال هذه الأساليب. وهذا ما يؤكده أبو خطاب الأنصاري، أحد عناصر الحسبة في الميادين وهو يخاطب الشباب خلال سجنهم، بحسب أحدهم “ها لقد عرفنا طريقة تنهككم، ونسلم بها من دمائكم، اخبروا أصحابكم بأن حويجة صقر والمطار بحاجة للمزيد من السواتر”.
هذه الكلمات كافية لمعرفة شدة العقوبات على المدنيين في مناطق سيطرة التنظيم، ولكنها غير كافية لمعرفة التجاوزات التي يتخطاها المدنيون والتي توصلهم لهذه المواصيل.
مؤيد مطر البالغ (20 عاماً) هو أحد أبناء مدينة الميادين، شارك في رفع السواتر على جبهات القتال. عن سبب اعتقاله يقول مؤيد “أنا بائع للسجائر، اعتقلت بعد مداهمة منزلي من قبل عناصر الحسبة. مع الغرامة المالية آنذاك البالغ قدرها 75 ألف ليرة سورية، إضافة لمصادرة كروزات السجائر والتي يصل ثمنها الى 800 ألف ليرة سورية. تم ترحيلي إلى السجن داخل مدينة دير الزور”. يضيف مؤيد “داخل حويجة صقر وعلى الخط الأمامي من الاشتباكات، هناك تلقينا أصناف العذاب الجسدي، فرفع السواتر هناك يحتاج الى تعبئة أكياس من الرمل او التربة، ونقلها لمسافة 300متر تقريبا”.
يتابع المطر قوله “في يومي الثاني على جبهات حويجة صقر في مدينة دير الزور، توفي أحد الشبان الذين كانوا معنا، وهو أيضا من ريف دير الزور، توفى عندما استهدفه قناص النظام وهو يحاول رفع الكيس الرملي على أعلى الساتر”.
المدنيون السوريون بين نارين. من جهة هناك جنود النظام بقناصاتهم ومدافعهم وطائراتهم، من نجا منهم محال أن ينجو من رجال الحسبة وقرارات التعزير.
المعاقَبون على الجبهات يكونون أشد توتراً من البقية، وكما هو متعارف كثرة الضغط تسبب الانفجار. غالباً ما تحدث مشاجرات على الجبهات بين المعاقِبين والمعاقَبين. تزداد المشاجرات حدة وخطراً إذا تمكن أحد المدنيين من امتلاك السلاح الذي بين أيدي مقاتلي الدولة، وأشده خطراً إن كان ذاك المدني يجيد استخدام السلاح.
أم علي نازحة من مدينة دير الزور، لجأت إلى القرى القريبة من المدينة بعد تدمير منزلها إثر استهدافه بالطيران. تروي سبب عقاب ابنها وتقول “إبنى في ريعان الشباب، لا يتحمل الذل. اعتقل بعد تجاوزه لحاجز للتنظيم دون الوقف، متجاهلاً صيحات عناصر الحاجز. نقل بعد ذلك الى إحدى الجبهات. تشاجر مع أحد العناصر، نزع منه سلاحه وأرداه قتيلاً”. تتابع أم علي “إبني حاول الهرب، ولكنه أصيب برصاص بقية العناصر، صدر بحقه حكم الإعدام، ولا علم لي أين هو الآن” .