آثار إدلب مهددة بالزوال

التخريب من النازحين والقصف الحكومي يعرضان قرى أثرية للخطر.

[new_royalslider id="49"]

عبد الله كليدو

(كفرنبل، سوريا) – أبو أحمد (40 عاماً) من أهالي قرية حيش الواقعة في ريف إدلب الجنوبي، والتي دمرت القوات الحكومية قسماً منها في معاركها مع المعارضة المسلحة منذ أكثر من سنة. نزح أبو أحمد من قريته شمالاً إلى قرية أثرية رومانية تسمى شنشراح. يقول أبو أحمد: “دمر منزلي بالكامل. لا أريد الذهاب إلى مخيمات الذل، ولا أستطيع دفع إيجارات المنازل المرتفعة، لهذا قررت اللجوء إلى هذه المنطقة الأثرية”.

تقع شنشراح ضمن “تجمع جبل الزاوية”، وهو واحد من خمسة تجمعات لمواقع أثرية تضم نحو 40 قرية من العصرين الروماني والبيزنطي بنيت بين القرنين الأول والسابع بعد الميلاد، وهي مسجلة في لائحة “اليونسكو” للتراث العالمي وتصنفها المنظمة حالياً كمواقع معرضة للخطر. يضم هذا التجمع الأثري ثمان قرى أثرية أخرى تقع على طول الطريق بين قرية البارة ومدينة كفرنبل.

في موقع شنشراح خمس كنائس وعدد من القصور ومئة منزل أثري، وقد بات مأوىً لأكثر من 100 عائلة نزحت من أماكن مختلفة من ريف إدلب الجنوبي بسبب الحرب، مما عرضه للتخريب. قامت العائلات التي نزحت إلى الموقع بتكسير الحجارة الضخمة التي بنيت البيوت الأثرية منها بهدف تحويلها إلى حجارة صغيرة يتم بيعها أو استعمالها لبناء أكواخ صغيرة بجوار أحد القصور الأثرية، مسقوفة بشوادر من النايلون. ودمر مدخل الكنيسة التي تقع الى الغرب من القرية خوفاً من سقوطه على الكوخ الذي بني بجواره.

ليس النازحون الملام الوحيد على التخريب، فقد أدى القصف الجوي من قبل القوات الحكومية في 2 أيار/ مايو 2014 إلى إصابة رجل وطفليه وتدمير منزل أثري بالكامل، بالإضافة إلى تدمير جدار إحدى الكنائس في الجهة الشرقية للقرية. ويُعتقد أن القصف سببه بناء مخيم للنازحين على بعد 500 متر من موقع شنشراح تشتبه القوات الحكومية بأنه معسكر للمعارضة.

محمد العلان، رئيس المجلس المحلي لقرية البارة التي تتبع لها إدارياً شنشراح، يقول: “نحاول التواصل مع مجموعة من المنظمات العالمية وأهمها “اليونيسكو” بهدف تشكيل لجان خاصة لحماية هذه المواقع الأثرية”. ويضيف: “لا توجد لدينا جهة أمنية قوية في قرية البارة لحماية الآثار من التخريب، لهذا نحتاج إلى دعم مالي لتشكيل مجموعات أمنية خاصة بحماية الآثار”. لفت العلان إلى أن مجلسه يقوم بالنصح والإرشاد، والشرح للنازحين أن هذه الآثار ستكون مهمة بعد انتهاء الحرب.

لجنة حماية الآثار التابعة لحكومة دمشق لا تملك أي وسيلة لمنع النازحين من العبث بالآثار، بحسب عضوها حسين العبود، الذي يقول: “أكثر القرى الأثرية عرضة للتخريب هي شنشراح بسبب تواجد عدد كبير من النازحين فيها”. ويضيف العبود: “هذه القرى الأثرية تقع في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة وأنا الموظف الوحيد التابع لإدارة حماية التجمعات الأثرية الواقعة في مدينة إدلب التي لا تستطيع حماية هذه الآثار. حتى أنا عندما أرى من يقوم بالتخريب لا أستطيع أن أفعل شيئاً سوى النصح والإرشاد وهذا غير كافٍ”. ولفت العبود إلى أن هذه الآثار ليست للنظام بل للجميع ويجب على الجميع القيام بحمايتها.

شنشراح قريبة من مدينة كفرنبل أكثر منها من قرية البارة لذلك قام “المكتب الثقافي والإعلامي” في مدينة كفرنبل بعدة حملات توعية لتوضيح أهمية الآثار وضرورة الحفاظ عليها من التخريب. وبحسب عضو المكتب الإعلامي لمدينة كفرنبل حمود الجنيد (35عاماً)، قام المكتب الإعلامي بتأمين خزانات لمياه الشرب والتعاقد مع بعض السائقين لإيصال المياه إلى النازحين لمدة ثلاثة أشهر مجاناً بعد أن قال بعض النازحين إنهم يبيعون الحجارة من الموقع الأثري ليشتروا بثمنها مياه الشرب التي تصل إليهم بأسعار مرتفعة.

يوجه النازح من قرية كفرومة أبو رشاد (40 عاماً) اللوم إلى قوات النظام، قائلاً:”قريتي تقع أمام حاجز الدهمان التابع للنظام في معرة النعمان. نتعرض يومياً للقصف والقنص ودمر جزء كبير من منزلي. لا يوجد أمان في القرية ليس لنا إلا هذه القرية الأثرية، مع هذا أنا لست سعيداً بهذه الإقامة، فهناك الكثير من الحشرات السامة ولكن أين نذهب؟”.

أما أبو أيمن (30 عاماً) من قرية حيش، فيلقي باللوم على قوات كل من المعارضة والحكومة لاضطراره للّجوء إلى موقع شنشراح الأثري، ويقول: “معظم المعارك التي خاضتها قوات المعارضة ضد النظام في وادي الضيف ومعسكر الحامدية… باءت بالفشل. النجاح الوحيد الذي حققته قوات المعارضة والنظامية معاً هو تدمير معظم القرى الواقعة بالقرب من هذه المعسكرات ومن بينها قريتي”.

العديد من أهالي البارة وكفرنبل متعاطفون مع قضية النازحين. يقول فضل العكل (30عاماً) من مدينة كفرنبل خريج كلية الآثار في جامعة حلب: “ما الضير إن سكنوا هناك، وإن كان هناك من أحد يتهمهم بالتخريب فليحرر لهم قراهم أو يجدوا لهم بديل يعيشون فيه”. يوافق العكل في موقفه هذا محمد الحسن (39عاماً) وهو طبيب أسنان من قرية البارة: “البشر أهم بألف مرة من الحجر. لا أجد أي مانع بسكن النازحين في الآثار فلو وجد مكان أفضل من هذا المكان أعتقد بأنهم سوف ينتقلون إليه، يجب على المعارضة بناء مخيمات للنازحين”.

على المقلب الآخر هناك من يدعو إلى حماية هذه القرى الأثرية من العبث والتخريب. يقول طالب الموسيقى الذي عرف عن نفسه باسم أبو أنس (25 عاماً):”الجميع مسؤول عن التخريب. هذه الآثار للجميع ليست للنظام لنخربها ولا يحق للنازحين تخريبها بحجة النزوح. يجب تشكيل لجان لحمايتها ومحاسبة كل من تسول له نفسه بالعبث فيها”.

يوافق على هذا الرأي موظف حكومي عرف عن نفسه باسم أبو زياد (44 عاماً): “لا ندعو إلى إخراجهم من شنشراح ولكن هذه القرية تعود لألفي سنة ويعتبر تخريبها جريمة بحق السوريين جميعاً. يجب منع التخريب وهذا واجب الجميع”.

يرفض أبو أحمد، النازح من قرية حيش، الاعتراف بتاريخ شنشراح، ويقول:” يبدأ تاريخ هذه القرية الأثرية منذ سنة فقط، مع خروجنا من قريتنا. وإن كان الرومان قد سكنوها، فقد بنوها لنا وسنعيد بناءها كما يحلو لنا”.