ومنعت صفقة بيع طفلتي
طفلات سوريات يتزلحقن على زحليقة خلال أيام العيد في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.
"أخبرته أني غير موافقة على ذاك الزواج وأن الفتاة تريد اتمام دراستها. فصرخ بوجهي، أنه لايمكن أن نتحمل مصاريف الدراسة في لبنان. لذلك زواجها أفضل."
بعد اعتقال زوجي ووصول خبر وفاته دون أن تصلني الجثة… حاولت أن أتأكد من صحة الخبر لكنني لم استطيع …والى اليوم لازلت في إنتظاره.
تركت منزل زوجي بطلب من أهلي … وسكنت إلى جوارهم. وصرت اعمل في حياكة الصوف لأعيل أسرتي.
بعد فترة أقمتها بالقرب من أهلي، وبعد أن أن اشتد حال الحرب في منطقتناـ لم أعد أشعر بالأمان على ابنتي الشابتين، فقررت الرحيل. وجدت أن لا مستقبل هناك.
هربت بطفلتيّ إلى لبنان… واستأجرت غرفة صغيرة. وأنا اليوم أعمل في التنظيف مكاتب إحدى الشركات.
كانت هذه بداية أوجاع ما روته لي تلك السيدة التي كنت أعرفها سابقاًـ ولو معرفة سطحية. لم أكترث لدموعي بعد سماعي القصة، بل شدني موضوع ابنة تلك الأرملة النازحة.
قالت: كان لبنان وجهتنا بناءً على رغبة عم أولادي. وفعلاَ وضبت حقائبنا ومضيت نحو البلد المضيف. نزلت في بيت العم وعائلته، مع ابنتيّ.
ظننت أن واجب القرابة والدم هما ما يدفعان أخ زوجي إلى هذه المعاملة اللطيفة …إلّا أنني اكتشفت الحقيقة، وعلمت بالصدفة من زوجته أنه قد أبرم صفقة بيع رابحة مع رجل ثري. يزوجه ابنة أخيه ويقبض مهرها غالياً. كان قد هيأ تقريبا كل ما يلزم لإتمام ذاك الامر …
صدمتني تلك القصة. تلعثمت وحاولت أن أخفف عن الأم وتهدئة روعها. فالبنت المقصودة هي صديقة ابنتي من المرحلة الابتدائية.
ووقع ذاك الخبر على روحي آلمني كما لو ان بأساً مماثلاً مس ابنتي. هناك من يتاجر بزواج القاصرات! وليسوا هم سوى أقاربهم..هل هذا يعقل؟
وراحت تكمل القصة :أنت تعلمين أن ابنتي لم تتم 15 عاماً. هي طفلة… بجسد غير مكتمل النمو .
يريد أن يزوجها أو يبيعها. حاولت أن أجاريه، فربما أستطيع أن أغير قراره بتزويج البنت. وربما يشفق قلبه بعد كلامي أو يحن على ابنة اخيه اليتيمة.
أخبرته أني غير موافقة على ذاك الزواج وأن الفتاة تريد اتمام دراستها. فصرخ بوجهي، أنه لايمكن أن نتحمل مصاريف الدراسة في لبنان. لذلك زواجها أفضل.
صمتت بعد تلك الجملة ..خافيةً غصة صوتها التي خنقتها الدموع.
أنا على يقين أنها حقا ليست قادرة على تحمل عبء المصاريف في لبنان. لكن الأمر بالنسبة لها مغاير تماما عن تفكير عم البنات. هي وإن كانت لا تستطيع تأمين الحياة اللازمة لأولادها لقلة حيلتها، لكنها لن تتاجر بزواج طفلتيها بدافع الفقر… أدرك ذلك تماماً.
تروي لي ما جرى: حين سمعت ما قال عم ابنتي عن المصاريف جنّ جنوني. لا أدري من أين أتتني تلك القوة. وقفت في وجهه وقلت أنا لن ازوجها… ولن أسمح لك بذلك. رغم كونها يتيمة الأب، وأنا مفلسة. إلّا أنني لن أرضى بأن أبيع طفلتي، فقط لتستريح من مصروفها الذي لست بالأصل مسؤولاً عنه. صفعني وشتمني… وأولادي حولي يبكون حالي.
تلعثمت الأم باكية مكسورة، صامتة … وفي جوفها ملاين االأصوات. كان حالي ليس أقل قهرا من حالها. فما ترويه لي قد تعرضت له كثيرات من نساء سوريا اللواتي رمّلتهن الحرب. وأصبحن أكثر عرضة من غيرهن للهموم. قطعت افكاري… وطلبت منها أن تكمل لي الحكاية.
فقالت: لملمت أشياءنا ووضبت أغراض أولادي وتركت منزل أخ زوجي، متجهة إلى المجهول. ولجأت إلى العمل الذي أنا اليوم فيه. وهذه الغرفة الصغيرة التي ترينها. وبرغم بؤس الحال إلا أنني مرتاحة. فبناتي لا زلن حولي يتممن دراستهن الإعدادية .
إنني أقوى مما ظننت. وقفت في وجه عمها ومنعت صفقة بيع طفلتي … ولو أنني اتعذب الآن… إلا انني سعيدة جدا.
عائدة علوش (32 عاماً) من الزبداني في دمشق، تقيم حاليا في لبنان. أرمله منذ سبع سنوات، أم لثلاثة اطفال، تعمل كباحثة اجتماعية في مشروع الزواج المبكر. تدرس دبلوم علوم الحوسبة …