ناشطون حقوقيون: العدالة الإنتقالية طريق سوريا الوحيد
ملاذ الزعبي
فقدت حميدة (36 عاماً) إبن أخيها وبنت عمتها في تفجيرات شهدتها منطقتا القزاز وجرمانا على التوالي، وهي اضطرت إلى النزوح، كما اضطر كثيرون من أقربائها، بعد دمار جزء من منزلها إثر اشتباكات عنيفة في منطقة الحسينية، قرب منطقة السيدة زينب في ريف العاصمة بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة.
تقول حميدة إن “الحقيقة هي التي تساعد على حصولنا جميعاً في العائلة على العدالة،” وتردف: “نريد تحقيقاً يساعد على معرفة القاتل الحقيقي الذي خطط للتفجيرات ونفذها لكي نعرف من كان وراء وفاة اثنين من أقاربي.”
يزداد الحديث بين السياسيين والكتاب والناشطين مؤخراً عن مفهوم “العدالة الانتقالية” كوسيلة فعالة تساعد على الانتقال بسورية إلى نظام تعددي يضم جميع مواطنيه بعد سقوط النظام الحالي، وترسيخ مفاهيم “المحاسبة والمساءلة” بدلا من الانتقام والثأر.
وبحسب موقع المركز الدولي للعدالة الانتقالية، فإن هذا المفهوم يشير إلى “مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.” كما أنها “ليست… نوعاً خاصاً من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الإنتقال من النزاع و/أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الإنتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.”
ومن أبرز الدول التي شهدت تطبيق هذا المفهوم بعد صراعات أهلية مريرة تشيلي وغواتيمالا وجنوب أفريقيا وبولندا وسيراليون وتيمور الشرقية، وكان نجاح التجربة متفاوتاً بين دولة وأخرى.
ويرى الناشط الحقوقي أنور البني أن “أهم مهمات العدالة الانتقالية هي إعادة اللُحمة للمجتمع الذي مر بظروف استثنائية تؤثر على لحمته وتماسكه، وهي اللبنة الأولى لإعادة بناء المجتمع، وهي مهمة جداً لوقف حالات الانتقام العشوائية وإعطاء ثقة للمتضرر أنه سيحصل على حقه عبر مؤسسة سريعة وفعالة.”
ويشدد البني على أن “العدالة الانتقالية مهمة للغاية… حتى نطمئن الأشخاص الذين لم يرتكبوا جرائم أن العقاب لن يطالهم،” ويضيف أنّ ذلك من شأنه تخفيف الحقن الطائفي الحالي ويضمن العقاب أيضاً لمن ارتكب جرائم من المعارضة.
ويوضح الناشط الحقوقي أن للعدالة الانتقالية خمس ركائز هي “مسح الأضرار وتقديرها والبدء بإعطاء تعويضات للضحايا والمتضررين بمختلف أنواع الضرر، وثاني الركائز هو المحاكم السريعة والمنتشرة لكي تعطي ضمانة للجميع أن مرتكب الجرائم سيطاله العقاب، وثالثها لجان المصالحة الوطنية التي تضم كل من يحوز على ثقة المجتمع من وجهاء وفنانين ومثقفين ورجال دين لرأب أي صدع مجتمعي وإجراء مصالحات في مختلف المناطق.”
ورابع الركائز، بحسب البني، هي “تشكيل لجان لنشر فكرة العدالة الانتقالية بين المواطنين ومساعدة المواطنين على الوصول إلى مؤسسة العدالة الانتقالية”، أما آخر ركائز العدالة الانتقالية فهي “تخليد الذكرى عبر إقامة صروح للضحايا وتسمية مؤسسات وشوارع بأسماء شهداء قضوا خلال الثورة السورية الحالية.”
من جهتها ترى الناشطة الحقوقية دعد موسى، أنه “لا إمكانية لخلق قضاء جديد بل يجب معالجة الثغرات الموجودة في القضاء السوري حالياً بحكم غياب استقلاليته وإلحاقه بالسلطة التنفيذية وأجهزة الأمن وانتشار الفساد فيه،” لكنها تضيف أن “المهم إجراء نوع من إعادة التأهيل كي يقوم القضاء بدوره،” معتبرة أنه “يجب الاستفادة من انتشار محاكم النيابة العامة في كل محافظات سورية، كي تكون أول مؤسسة يمكن استغلالها لقضايا العدالة الانتقالية… خاصة أنّ السلطة الانتقالية قد لا يكون فيها برلمان منتخب لإصدار قوانين وتشريعات جديدة.”
ويختلف البني مع موسى في قضية الاستفادة من مؤسسات القضاء الموجودة حالياً، ويشير إلى أن “مؤسسة العدالة الانتقالية مستقلة نهائياً عن القضاء لسببين أن هناك جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية لا يشملها قانون العقوبات السوري والثاني أن إسقاط الحق الشخصي في العدالة الانتقالية يلغي الدعوى بينما في القضاء العادي لا يلغي الدعوى وهو ما لا يساعد على إرساء السلم الأهلي.”
وفيما يخص توثيق الإنتهاكات الجاري حالياً ، يقول البني إن “التوثيق ضروري لكنه غير كاف، ويجب أن يكون هناك لجان مختصة لمسح الأضرار وتقديرها، إذ يختلف الدمار الكلي عن الدمار الجزئي مثلاً.”
ويلفت الناشط الحقوقي السوري إلى أن “دور الضحايا أساسي في تحقيق العدالة الانتقالية وأهدافها، لكننا نحتاج أساساً إلى إيصال الفكرة لمجتمعهم وذوي الشهداء، ومن ثم إقناعهم أن تضحيات الكثيرين كانت إيجابية من أجل بناء مجتمع صحي وسليم،” مشدداً على أنه “يجب تعويض كل المتضررين فلا يمكن لشخص أن يساهم في بناء بلد فيما منزله مدمر وهو نائم بالعراء.”
ويتفق البني مع موسى على أن العدالة الانتقالية هي الطريق الوحيد التي تقود سوريا إلى مجتمع متسامح وسليم، وأنها تشعر المواطنين جميعهم بالأمان.
قد يكون أيمن (29 عاماً) أحد هؤلاء الذين يجب طمأنتهم؛ لقد فقد شقيقه وقريباً آخر في عملية إعدام ميداني في حمص. يقول أيمن رداً على سؤال حول إمكانية إسقاط حقه الشخصي والاكتفاء بالتعويض: “القرار لا يعود لي وحدي بل هو قرار العائلة بأكملها؛ أمي التي فقدت إبنها المدلل وأبي الذي فقد بهجته. بالنسبة إلي شخصياً قد أسامح ولكن لن أنسى.”