ناشطات في حلب: بين الصعوبات الميدانية والتمييز
رشا رامي
سنة وسبعة أشهر مرت منذ بداية الثورة في سوريا واجه المجتمع خلالها، بكافة فئاته، الكثير من التغيرات والصعوبات التي تركت أثرها بشكل مباشر على حياة المواطن السوري. في خضم هذه المتغيرات كان التحدي مزدوجاً بالنسبة إلى الناشطات الإناث بسبب العوائق التي يضعها المجتمع المحافظ في وجههن، سواء اشتركن في الإحتجاجات أو قمن بدور إنساني لمعالجة آثار المواجهات المسلحة بين الجيشين الحر والنظامي.
نتالي فتاة في السابعة والعشرين من عمرها، عرفت منذ صغرها، كما تقول، بأفكارها المتحررة ومعارضتها للكثير من التقاليد. كانت من أوائل الذين شاركوا في الإحتجاجات الشعبية في سوريا، فساهمت بتنظيم المظاهرات في حلب في بداية الإحتجاجات الشعبية عام 2011، ووقفت جنباً إلى جنب مع شباب لا ينتمون إلى طبقتها الإجتماعية أو دينها، لم يكن يخطر ببالها من قبل أنهم سيغدون زملاءها في الثورة.
“إتفقتُ مع مجموعة من النشطاء الذين نزحوا من حمص وإدلب إلى حلب على ضرورة البدء بتنظيم المظاهرات لتلحق حلب بركب باقي المحافظات، وبالفعل بدأنا بحشد المتظاهرين في منطقة صلاح الدين والسكري،” تقول نتالي. “كانت مهمتي كتابة اللافتات ومهمة باقي الشباب أن يحضروا مكبرات الصوت والمنصات وأعلام الثورة، ولكني لم أتردد في حمل المطرقة لتركيب المنصة الخشبية أوالهتاف أو الإمساك بأيدي باقي المتظاهرين والغناء معهم.”
أنوثة نتالي لم تمنعها من أن تكون إحدى أنشط “الثورجيات” في المدينة، ولم تحل أيضاً دون اعتقالها، لمدة 21 يوم. تقول نتالي: “في المعتقل لم أشعر بأني أنثى بالرغم من أن المحققين أصروا على إذلالي بالقول إني فتاة وإن مهمتي الوحيدة في الحياة هي ممارسة الجنس معهم أو مع غيرهم، كوني بحسب رأيهم منحلة أخلاقياً. بعد خروجي من المعتقل سردت قصتي على الكثير من الفتيات اللواتي عملن معي في مجال الإغاثة، وحاولت قدر الإمكان أن تكون قصة مثيرة ليكنّ إلى صفي في الثورة ولا يشعرن بالخوف إن اتخذن قراراً بالمشاركة في تغيير مصيرهن فيما بعد.”
نتالي اليوم ذهبت إلى دمشق هرباً من التهديدات المستمرة بالإعتقال والوعيد من قبل عناصر الأمن بأن تسجن مدى الحياة. يقتصر نشاطها الثوري الآن على المشاركة في صفحات التواصل الإجتماعي، بعيداً عن أي تهديد.
ناشطات في المجال الإنساني
بعد أن حل القتال بين الجيشين الحر والنظامي مكان المظاهرات وأصبح الصراع العسكري واضح المعالم في شهر آب/أغسطس 2012، بات أهالي حلب أنفسهم بحاجة إلى إغاثة بعد أن كانت المدينة تغيث النازحين من مدن أخرى.
تعاون المتطوعون، مستعينين بما تيسر من موارد مادية وعينية، على جمع النازحين في المدارس والوحدات السكنية الجامعية، وتأمين المستلزمات والاحتياجات الأساسية لهم، بالإضافة إلى إدارة مراكز اللاجئين. كان ضمن صفوف المتطوعين الكثير من الشابات اللواتي واجهن عدة مشاكل أدت إلى عزوف البعض منهن عن العمل الميداني، ولكن البعض الآخر منهنّ أصر على العمل دون الوقوف عندها.
داليا فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها، لم يستهوِها الغوص في السياسة، فاكتفت بأداء دور إنساني ضمن عملها في لجنة شباب متطوعي الهلال الأحمر في حلب لأنها تؤمن بمبادئ المنظمة الأساسية، وأهمها الحيادية. تقول داليا إنها لم تتردد يوماً بالذهاب إلى حي صلاح الدين لمساعدة الجرحى من الجيش النظامي أو الجيش الحر، كما لم تقف حواجز الطرفين أمام إصرارها على دخول منطقة مساكن هنانو للمساعدة في إجلاء المدنيين. تعمل داليا اليوم في إحدى مدارس النازحين، وتؤمن بأن دورها في الأزمة السورية لا يعتمد على كونها أنثى، متحدية نظرة الرجال إليها. تقول: “في بداية عملي في المدرسة ضمن فريق التنظيم، لم يتقبل الكثير من الرجال النازحين فكرة قبول المساعدة من فتاة.”
ولكن لم يقف هذا الأمر عائقاً أمام عمل داليا وغيرها من الفتيات: “طلبت في إحدى المرات من شاب مقيم في المدرسة المساعدة في الأعمال اليومية، فواجهني بالرفض كونه لا يتقبل الأوامر من امرأة، فما كان مني إلا أن طلبت من باقي الفريق عدم تقديم الخدمات له أو لأفراد عائلته كي يعتمد على نفسه، إذ كان من المهم أن يعرف أننا نخاطر بحياتنا كي نساعد بتأمين بعض الأمان الذي حرم منه بفعل الرجال.”
لم تتوقف المشاكل التي تواجهها الفتيات في العمل الميداني على عدم التعاون معهن، بل امتد أيضاً إلى التحرش بهن من قبل بعض النازحين الذين، كما تقول داليا، لم يعتادوا فكرة الإختلاط بفتيات عاملات.
“عدا عن الكلمات البذيئة التي كان يتلفظ بها البعض من النازحين عند مرور فتاة أمامهم، كان بعض الرجال يقوم بلمس الفتيات تحت حجة مساعدتهن في العمل، مما اضطرهن إلى تغيير المدارس التي يعملن بها، وبالطبع فإن من يقوم بهذا العمل يواجه التوبيخ من قبل إدارة المركز، هذا إن لم يضطروا إلى طرده.”