لإنقاذ زوجي أراد الحصول على أكثر من المنزل
اعتقل النظام الحاكم في دمشق زوجي في 8 حزيران/يونيو 2013. كنت وحيدةً حين وضعتُ مولودي الثاني بعد عشرة أيام من اعتقاله، تحتَ وطأة ظروف صعبة جداً، في منطقة السبينة الواقعة في ريف دمشق.
قررتُ بعد انقضاء فترة قصيرة على ولادتي، البحث عن زوجي… في أي معتقل زجّه النظام، كي أطمئن على صحته وفي حال لم يُقتل بعد.
وبدأت رحلتي الشاقة في البحث عن شخص ما ذي نفوذ في دولة الأسد، دولة الأمن والمخابرات، كي يساعدني بالبحث عن زوجي! عانيتُ كثيراً حتى توصّلت إلى رقم هاتف أحدهم… وبعد عدة محاولات للإتصال به، أجاب وكأنه يكلّم متسولاً يطرق باب منزله من أجل فتات خبز!
أخبرته عن المشكلة التي آلمت بي، وبأنَّ زوجي اعتُقل على حاجز للجيش في السبينة، وبأنّي مستعدة أن أقدم له منزلنا مقابل إطلاق سراح زوجي! بعد هذا العرض المغري بدأ يكلمني بجدية ورحابة صدر. وبدأ بالإستفسار عن موقع المنزل وعدد غرفه، وفي أي حي يقع… وطلب مني القدوم إلى دمشق ومقابلته من أجل الإتفاق على الموضوع.
بالفعل، في اليوم التالي نزلت إلى مكان المقابلة الذي اتفقنا عليه خارج مكان عمله، فوجدته ينتظرني وكأن قلبه علينا، لا على المنزل. بدأ بطرح الأسئلة ويستفسر عن زوجي وعن إسمه وعمله… ووعدني بأنّ الأمور ستسير في صالحنا لأن نفوذه في الدولة كبير. استمرت مقابلتنا تقريباً ساعة كاملة، وأخبرني بأنه سيتصل بي في اليومين القادمين.
في بداية الأمر صدّقت كلامه لأنّ الغريق يتعلق بقشة. وهذا الشخص كان قشتي، التي كنت آمل أن تنقذ زوجي من العذاب الذي يلاقيه داخل أقبية المعتقل.
مضى يومان ولم يتصل. فبادرت أنا بالإتصال به، فلم يجب على اتصالي! أعدت الإتصال، فأغلق الهاتف وأرسل لي لاحقاً رسالة مفادها: “أنا عند ضابط في الأمن لأخبره عن زوجك، لا تتصلي بي أبداً حتى أقوم أنا بالإتصال”.
أسبوع كامل مضى على رسالته ولم أتلقَّ أي شيء منه. كانت أطول أيام عمري… أنتظر معرفة مصير زوجي! إلى أن قام بمكالمتي وإخباري أنه يود رؤيتي، فهناك تطورات في قضية زوجي البريء من كل شيء. وفعلاً، ذهبت إلى ذات المكان الذي التقيته فيه سابقاً.
بدأ حديثه معي بأنَّ زوجي وضعه صعب جداً، وبأنَّ التُّهم الموجّهة إليه كبيرة، ويمكن أن تودي به إلى حبل المشنقة: “مموِّل للإرهاب، قائد فصيل عسكري، التخابُر مع جهات خارجية، الإخلال بالشعور الوطني والقومي”، كانت هذه بعض التهم الموجَّهة إليه على حدِّ قوله!
خفتُ كثيراً من كلامه، وبدأت يداي ترتعشان وضربات قلبي تتسارع! فلاحظَ الأمر وصار يقول لي “لا تقلقي هناك شخص أعرفه، ويمكن أن يساعدنا ولكن لا يرضى بالقليل” في إشارة منه إلى أن المقابل المادي الذي يتقاضاه هذا الشخص كبير جداً. أخبرته أن كل ما أملكه هو المنزل، فقال لي: “يمكن أن يقبل بالمنزل، لكن لا أضمن لكِ ذلك”.
ثمَّ طلب مني أن أحدِّد له عنواني، وبأنه يريد المجيء كي يرى البيت، ويعرف السعر الذي يساويه.
خفتُ من طلبه! وأخبرته أني سأقوم بملاقاته في الحي الذي أقطن فيه، وأدله على البيت، ولكن ليس قبل أن أعرف مكان زوجي وبأي فرع يتواجد.
أيام قليلة واتصل بي. أخبرني أنه توصَّل إلى مكان زوجي، لكن لا يمكنه الحديث على الهاتف بتفاصيل أكثر، متذرعاً بأنَّ الإتصالات مراقبة ولا يريد أن يعلم أحد بهذا الأمر. ثمَّ طلب مني أن أنتظره في الحي الذي أقطنه، وأنهى المكالمة.
لم أعرف ماذا أفعل! بعد أن فكرت قليلاً، خرجت إلى الحي أنتظره كي أدله على المنزل.
وبالفعل، أتى بعد نصف ساعة بسيارته وتوقف بجانبي. طلب مني الصعود إلى السيارة، بذريعة أن نذهب ويستدل على المنزل. لمحت في عينيه نظرة أجفلتني، فرفضت وقلت له أن المنزل قريب ويمكن أن يستدل عليه دون صعودي! ولكنه وإزاء رفضي الصعود إلى السيارة، غادر مسرعاً… حينها تيقّنت من نواياه الخبيثة، فقررت الرحيل إلى بلدتي في إدلب هرباً منه، فأنا وحيدة في سبينة!
لجأت في اليوم التالي إلى صديق زوجي وعائلته في منطقة عش الورور، وطلبت منهم المكوث عندهم ريثما أتمكّن من الذهاب إلى بلدتي.
في 5 آب/أغسطس 2013 تمكنت من التواصل مع صاحب السيارة التي كانت تقلّنا إلى البلدة قبل اعتقال زوجي. وهربتُ مع ولديّ في اليوم التالي من مدينة الياسمين دمشق. ولا يزال ومصير زوجي مجهولاً، ولا أعلم عنه أي شيء حتى اللحظة!
نرمين مصطفى (25 عاماً) من إدلب متزوجة وأم لطفلين. توقفت عن دراستها الجامعية بسبب الحرب.