قتلى بالخطأ بسبب انتشار السلاح في القامشلي
فيان محمد
(قامشلي، سوريا) – في شهر حزيران/ يونيو، سقط أحمد الفتى ذو الستة عشرة عاماً جثة هامدة برصاصة أطلقها خطأ أخوه الصغير ذو الخمسة أعوام من مسدس “ستار” من عيار تسعة ميليمترات. كان أحمد يعيش مع عائلته في حي الموظفين بمدينة قامشلي الواقعة شمالي شرقي سوريا. ذهب الأب إلى عمله وطلبت الأم من أحمد أن يبقى مع أخيه الصغير لحين عودتها من السوق. ويقول سليمان جار أحمد وصديقه: “سمعنا صوت رصاصة من بيت أبو أحمد وعندما ذهبنا نستفسر عن الصوت وجدنا أحمد مرمياً في الغرفة وسط بركة من الدماء، وأخاه الصغير واقفا أمام جثته حاملاً مسدس والده”.
مقتل أحمد بسلاح موجود في المنزل ليس حادثة استثنائية في القامشلي. لا توجد احصائية رسمية بعدد ضحايا عمليات القتل غير المتعمدة في القامشلي نتيجة سوء استخدام الأسلحة المخزنة في البيت. ويقول مدير أحد مراكز مركز “أسايش” في القامشلي، أي مركز شرطة تابع للـ”هيئة الكردية العليا”، الذي رفض ذكر اسمه، إن أغلب حالات القتل بيد أقارب يتم التستر عليها لكي يفلت الجاني من العقاب.
فأبو محمد مثلا الذي يسكن في حي حلكو قتل زوجته عن طريق الخطأ أثناء قيامه بتعليمها رمي الرصاص من سلاح الـ”بومب أكشن” الخاص به.
ويقول أبو محمد ودموعه تنهمر بغزارة ويضرب رأسه بيديه بينما عيناه تحدقان بطفليه الصغيرين: “أنا قتلتها بيدي”. ويتابع أبو محمد، الذي يعمل كحارس ليلي، قائلاً إنه عرض على زوجته تعليمها استخدام بندقية الـ”بومب أكشن” لكي تستطيع الدفاع عن نفسها وطفليهما أثناء فترات غيابه عن البيت. وبعد أن انتهى من تعليمها جلس أمام باب غرفته وبدأ بتنظيف البندقية وتركيبها بينما زوجته في المطبخ تجلي. فجأة خرجت الرصاصة وأصابت زوجته التي فارقت الحياة على الفور.
لم يبلغ أحد من عائلة أبو محمد السلطات، لذا لم تعتقله الشرطة.
وانتشرت منذ ما يقارب السنتين في القامشلي، المدينة ذات الغالبية الكردية، ظاهرة بيع الأسلحة في أسواق المدينة علانية دون رقابة. من يريد أن يشتري سلاحاً ليس عليه إلا أن يتوجه إلى سوق القامشلي الرئيسي عند ما يسمى سوق الأتراك في وسط المدينة ليختار النوع الذي يعجبه. هناك تنتشر بسطات بيع أسلحة خفيفة وثقيلة. وتتراوح أسعار هذه الأسلحة بين 20,000 ليرة سورية للنوع الخفيف إلى 180,000 ليرة سورية للأسلحة الثقيلة. وهناك مسدسات شخصية يبلغ سعرها 5000 آلاف ليرة سورية ويتم تحسين سبطانتها في القامشلي وتباع بسعر يتراوح بين 15000 -25000 ليرة سورية، حسب قول أحد تجار السوق.
ويقول تاجر آخر يبيع الأسلحة على بسطة في سوق القامشلي إن هناك عدة مصادر للأسلحة المتوفرة في السوق أهمها المهربون الذين يُدخلون البضاعة من العراق وتركية، كما يقوم بعض العناصر الأمنية الموالية للنظام السوري والجنود الهجانة ببيع أسلحتهم قبل انشقاقهم وهروبهم.
وبادر الكثير من سكان القامشلي في السنتين الماضيتين إلى اقتناء السلاح للدفاع عن أنفسهم في حال تعرضهم لعمليات سرقة أو سطو مسلح. ويقول آختين صاحب محل أحذية: “في سورية أصبحنا نعيش في غابة مع فقدان الأمن ولا بد من وجود السلاح في البيت لنحمي أنفسنا من وحوش الغابة.”
ويقول عبد العزيز علي من قاطني حي الخليج العربي أنه اشترى السلاح خوفاً من اللصوص ومن السرقات التي انتشرت في الفترة الأخيرة بالقامشلي بصورة متزايدة. ولكن مع تكرار حوادث القتل بالخطأ ووفاة الأبرياء بالمدينة تراجع عبد العزيز مؤخراً عن فكرة اقتناء السلاح في البيت وقرر بيعه واعتبره نذير شؤم في البيت.
وتعيش المدينة الواقعة شمال شرقي سورية حالياً فلتاناً أمنياً بسبب تراجع أداء المؤسسات الحكومية. فقد تقلص عدد أفراد الشرطة الحكومية التي أصبحت تتولى مهمات إدارية فقط مثل تسجيل الولادات والوفيات ولم يعد لها وجود في الشوارع. أما الأحياء الكردية من المدينة، التي تشكل الجزء الأكبر من القامشلي، فهي تقع تحت سيطرة “الهيئة الكردية العليا” وقوات الـ”أسايش” التابعة لها. وهذه القوات ليست قادرة على بسط الأمن لأنها مبتدئة وليس لديها الخبرة التي تؤهلها لضبط الأوضاع، حسب قول أحد المسؤولين في قوات الـ”أسايش” الذي رفض ذكر اسمه.
وتجدر الإشارة أن ظاهرة اقتناء السلاح انتشرت بين الأطفال في القامشلي أيضا. فالبعض منهم يتوجه الى سوق الأسلحة ليشتري المسدسات الشخصية التي لا يتجاوز سعرها الخمسة آلاف ليرة سورية.
ويقول أخصائي الإرشاد النفسي محمد علي عثمان عن هذه الظاهرة إن “المراهق أصبح يستخدم السلاح كوسيلة لإثبات شخصيته والتي تفوقت على وسائل الإثبات الأخرى كالعناد والتدخين خاصة في ظل هذه الظروف التي تنتشر فيها الأسلحة في بيئة الأطفال”. ويطلب عثمان من الأهل الانتباه الى مدى خطورة هذه الظاهرة والعمل على توعية أطفالهم بخطورة السلاح.
وقد أصدرت “الهيئة الكردية العليا” التي تدير شؤون السكان الأكراد في المدينة في شهر نيسان/ أبريل الماضي قراراً لتنظيم حمل السلاح وعمليات بيعه وشرائه بالإضافة إلى الطلب من المواطنين ترخيص أسلحتهم لدى الهيئة. واستناداً إلى هذا القرار تقوم قوات الـ”أسايش” بمنع تجار بيع الأسلحة بعرض بضاعتهم في الأسواق على البسطات ومصادرتها ولكنها لا تفرض غرامات أو عقوبات عليهم.
وعن مدى استجابة أهالي القامشلي لهذا القرار وقيامهم بطلب ترخيص لدى الهيئة، يقول مدير مركز “أسايش” في حي الكورنيش عبد المجيد إبراهيم إنه حتى الآن تم ترخيص 4000 قطعة سلاح في حي الكورنيش وحده. ويتابع ابراهيم أن إجراءات الترخيص بسيطة جداً، ولا تتطلب سوى أن يحضر صاحب السلاح الى المركز ومعه سلاحه ليتم تسجيل بيانات السلاح على بطاقة تُسّلم لصاحبه. ولا توجد تقديرات لعدد شقطع الأسلحة المنتشرة في القامشلي في بيوت المواطنين.
إلا أن الترخيص، حسب قول عبد المجيد إبراهيم، لم يستطع حتى الآن ضبط استخدام السلاح عشوائياً وهو على علم بحوادث قتل بالخطأ تحصل من وقت لآخر دون أن يتم الابلاغ عنها.