عند حدود الوطن سوريا
يسألون عن الوجهة
ما بين نقطة المصنع اللبناني وآخر نقاط التفتيش الحدودية السورية. كانت تقف هناك مع صغارها. وجدت نفسها وحيدة … قد تكون هذه هي المرة الاخيرة لها في ذاك المكان.
قادمة من بلدٍ لاجئةً لآخر، بعد أن سلبوا منها حقها بالحياة، في وطن مدت جذورها فيه على مدى 32 عاماُ. تسربت إلى ذاكرتها أوجاعٌ قد اوجبت عليها الخروج من وطنها …
انتحلت اسما مستعارا لتصل إلى دمشق آتية من بلدتها الريفيه الصغيرة…. فهي بنظر النظام الحاكم مطلوبة امنياً. لم تتمكن بعد خروجها من المعتقل من إكمال دراستها الجامعية في قسم اللغة العربية، أو متابعة عملها كمدرّسة في الصفوف الاعدادية. ولا حتى اصلا عاد بإمكانها المكوث في بلادها التي أصابتها حمى الحرب.
هي اليوم عند حدود وطن جديد وحياة جديدة. لا تدري مايخفيه لها القدر هناك. لحظات، وتمت مناداتها عند نقطة الختم اللبنانية.
ختموا جواز سفرها وأطفالها، ودخلت إلى لبنان وكانت تظن أن إقامتها ستستمر حتى 30 يومآ ….وطال البقاء بعد ذاك الشهر.
في وسع الأرض اللبنانية بدأت رحلة الكفاح … كان همها الأكبر أن تحظى بعمل يقيها ذل السؤال … فانتسبت لمشروعٍ لبناني أممي، لدراسة اجتماعية حول أوضاع اللاجئات السوريات. اجتازت اختبارات القبول بعزيمتها واصبحت واحدة من الباحثات الاجتماعيات في مجال الزواج المبكر عند القاصرات السوريات.
ولم تتوقف رحلتها عند هذا الحد … حلمها بالدراسه لا زال يراودها منذ أن اضطرت لترك جامعتها واللجوء إلى لبنان. بدأ صيف السنة الأولى لها في البلد المضيف. استطاعت أن تؤمن مدخولا بسيطا تعتاش منه مع اطفالها الأيتام. شاركت في ورش عمل تلبي طموحاتها. اطالما كانت شغوفةً بالعمل الصحفي …
كانت لها تجارب كمبتدئة في مواجهة التعتيم الاعلامي بشأن الحرب في بلدها سوريا. كانت ترصد اهم اخبار منطقتها وتصور وتوثق وتراسل مواقعا إخبارية، وتعمل على نقل اخبار بلدات لا يوجد من ينقل أخبارها.
لم تثنها الظروف ولا المصاعب التي واجهتها وحاصرت حريتها، كونها ارملة تعيش في مجتمع محافظ يرى المرأة العامله إمرأة متحررة من أخلاقها ودينها ومبادئها. مجتمع يتجاهل كونها بدون سند أو معيل، ومتجاهلاً حاجتها للمال للعيش في بلد كلبنان حيث كلفة المعيشة مرتفعة.
صمدت تلك المرأة الشابة بوجه كل تلك التحديات… وسعت لتكوين ذاتها وتعزيز قدراتها … ومع بدء العام الدراسي، سجلت اطفالها في مدارس رسمية وسعت ليكونوا من المتفوقين، وواظبت على متابعة دورات الارشاد والتعليم والبرمجة، حتى وصلت إلى منحة خولتها أن تحظى بمقعدٍ دراسي في إحدى الجامعات في لبنان.
هي اليوم طالبة في علوم الحوسبة، طموحة، مجاهدة في تحقيق ذاتها. تدرك جيدا أن الأنثى دون رجل معها أصبحت قادرة على أن تكون شيئاً مهماً. لقد خرجت من جلباب القدامى وأفكارهم الباليةـ التي كادت في الفترة الأولى أن تقضي على أحلامها وشخصيتها الطموحة.
هي مثال للمرأة السوريه التي سلبتها الحرب كل شيء وأعطتها العزيمة وتوجتها بالفخر لتكون منبراً لنساء العالم في النجاح والصمود والصبر.
عائدة علوش (32 عاماً) من الزبداني في دمشق، تقيم حاليا في لبنان. أرمله منذ سبع سنوات، أم لثلاثة اطفال، تعمل كباحثة اجتماعية في مشروع الزواج المبكر. تدرس دبلوم علوم الحوسبة …