صناعة الحياة من بقايا الموت
من براميل للموت إلى مولدات للكهرباء تصوير إيهاب البكور
“هناك بعض أسباب الموت، التي يمكن تحويلها لأسباب حياة”. بهذه العبارة بدأ أبو أسامة حديثه عند سؤاله عن عمله. أبو أسامة يحوّل براميل الموت إلى مراوح لتوليد الطاقة الكهربائية.
أبو أسامة (35 عاماً) حداد بسيط من ريف إدلب الجنوبي، كان كل يوم ينظر جنوباً ليرى الفرق والتمييز بين القرى الموالية للنظام والقرى المحررة. كيف أن تلك القرى تشعّ بالأضواء ليلاً، وكيف أن القرى المحرّرة ترزح تحت نير الظلام، بعدما قطع عنها النظام التيار الكهربائي كعقوبة على مطالبتها بالحرية.
لم يقف أبو أسامة مكتوف الأيدي، فالنجاح يولد من رحم المعاناة. ويقول أبو أسامة: “الحاجة أم الإختراع وهذا معروف لدى الجميع، ونحن أكثر الناس الذين تنطبق عليهم هذه المقولة. أنا في مجالي لا بد أن أساعد الناس وأساعد نفسي. فكّرت مليّاً بطريقة لأساعد هذا المجتمع البسيط. فخطرت في بالي الإستفادة من الطاقة الهوائية. ولكن كيف؟!”
يتابع أبو أسامة حديثه: “كنت أرى تلك المراوح الصينية التي يشتريها الأثرياء لتوليد الطاقة. فكرت في بشيء متوافر في مناطقنا يمكنني أن استفيد منه، وسبحان الله أتتني الفكرة من الموت الذي يزور مناطقنا كل يوم. أتتني الفكرة من براميل الموت، وذلك بتحويل البرميل إلى شفرات تدور حول محور عامودي بفعل الرياح. وبدأت بتجربة الفكرة عمليا”.
لا زال أول برميل قام أبو أسامة بصنعه مرمياً في دكانه، شاهداً على أن النجاح يستلزم عدة محاولات. يقوم أبو أسامة بقص البرميل بشكل طولاني بين القاع والرأس. ويبقي الصفيحتين المدورتين من الأعلى والأسفل سليمتين، لتعملا كصفيحتين دوارتين. ترتكز عليهما الشفرات التي نتجت من قصه لجدران البرميل،
يشرح أبو أسامة طريقة توليد الكهرباء: “بعد أن نقوم بتحويل البرميل إلى ما يشبه المورحة الأسطوانية، نثقب البرميل من الأعلى والاسفل ثقبين يمر من خلالهما أسطوانة حديدية ليدور حولها البرميل، ومن ثم نصل بقاعدة البرميل من الأسفل ترس حديدي أو “مسنن” ناقل للحركة، ونوصل هذا الناقل عن طريق جنزير بما يسمى ب الـ”دينمو”الذي يولد الكهرباء. عندما تدور المروحة تحرك الترس وهو بدوره يدير الدينمو. ومن ثم نوصل الدينمو بمنظم شحن لتنظيم التيار الآتي من الطاقة الحركية، ثم نوصل المنظم بالبطاريات التي تدخر الطاقة”.
أهم مايميز هذه الطريقة أنها رخيصة وغير مكلفة. ولكن بحسب أبو أسامة تكمن المعاناة بتأمين الدينموهات، فهي غير متوفرة بكثرة. وعلى الرغم من بساطة الفكرة إلا أنها لاقت رواجاً وانتشاراً. فقد عرض أبو أسامة طريقته في تقارير تلفزيونية لقناتي الجزيرة وأورينت نيوز، وكذلك اهتم بالفكرة عدة مواقع إلكترونية كموقع “كلنا شركاء”.
المهندس الكهربائي منذر الشيخ يعلّق على مشروع أبو أسامة بالقول: “على الرغم من أن هذه الطريقة لا يمكن أن تعوِض عن الكهرباء النظامية، إلا أنها يمكن أن تسد 50% من حاجة مستخدمها. وذلك في حالة كانت الرياح مابين المستقرة الى المتحركة” كما لفت الشيخ الى أنه” يمكن أن تغطي 80% من الحاجة للطاقة إذا كانت الرياح قوية، وهذا يكون في المناطق العالية نسبياَ، ولا بد من وضع دينمو كبير، فليس أي دينمو يمكنه أن يولّد الطاقة التي تتطلبها المنازل”.
محمود الخطيب استعان بجهاز البرميل لتوليد الطاقة، يقول: “استغنيت عن كهرباء الإشتراك، أو الأمبيبرات، بعد أن اقتنيت هذه الطريقة، فهي تغطي أكثر من 60% من حاجتي، وأنا لا أستطيع أن أشتري طاقة شمسية، أو أن أزيد عدد أمبيرات الإشتراك”.
في المناطق المحررة لا زالت الطاقة الشمسية مسيطرة على المشهد. ولكن من المتوقع أن تكون السيطرة للمراوح، بسبب قدوم الشتاء، وهذا ما سيزيد من رواج فكرة أبو أسامة. تقول أم محمد وهي ربة منزل: “أنا أملك ألواحاً شمسية ولكنها مكلفة جداَ، ومعرضة للتلف بسبب القصف، وهي لاتعطي المردود المطلوب في الشتاء. لذلك سأبيعها، وأتوقع أن تكون فكرة أبو أسامة هي الأفضل لمنزلي عندها”.
ينتهي أبو أسامة من صنع برميل توليد جديد، ونذهب سوية معه لتركيبه على سطح أحد المنازل. البرميل يبدو كالراية تدور وتقول للعالم “نحن نصنع الحياة، من بقايا الموت، من البراميل”.
البراميل التي تساقطت على أسطح المنازل وقتلت من قتلت من المواطنين الآمنين، عادت اليوم مجدداً إلى أسطح المنازل ولكنها بعودتها هذه المارة تعيد الحياة إلى المدينة. أرادوا هذه البراميل لإغراق المناطق المحررة بالظلام وإلباس أهلها زي الحداد، ولكن أهل هذه المنطقة نجحوا بتحويل وسيلة القتل إلى منارة ضوء.