سكان الريف الحلبي يعانون جنون الأسعار وغياب الرقابة
أيمن محمد
انخفضت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، ليصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى نحو 300 ليرة سورية، مما ضاعف الارتفاع الجنوني في الأسعار في معظم أسواق الريف الحلبي، كما باقي المناطق السورية، وهو ارتفاع طال سلعاً مثل المواد الغذائية والخضار واللحوم والتبغ والمحروقات والمنظفات وغير ذلك، وهو ما يصعب على المواطن ذي الدخل المحدود تحمله. الجولة على السوق في مدينتي منبج وجرابلس كفيلة بمعرفة حجم معاناة الذين يتقاضون مرتباتهم أو أتعابهم بالليرة السورية، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه الدخل الشهري لأي موظف أكثر من 100 دولار أميركي.
“الأسعار لا ترحم والبيت بحاجة لجميع المتطلبات الأساسية، أضعف الإيمان أن تذهب بعد يوم كامل من العمل الشاق وأنت تحمل كيلوغراماً واحداً من البندورة وكيلوغراماً من الفاصولياء وآخر من الخيار، ولكن بعد ارتفاع أسعار كل هذه المواد لم يعد بإمكاني شراء كثير من احتياجات المنزل وقمت بالاستغناء عنها”، يقول جمعة (32 عاماً) من مدينة منبج، ويضيف: “كيلوغرام لحم الغنم بـ 1300 ليرة؛ تناول اللحم بات من الأحلام بالنسبة للمواطنين من طبقتي، أنا من جهتي قررت الإقلاع عن التدخين لأن إطعام عائلتي أهم”.
ولا تُختصر معاناة المواطنين بارتفاع أسعار المواد المستوردة فحسب، بل تتجسد أيضاً في ارتفاع أسعار المواد المنتجة محلياً، والمشكلة الأبرز التي يواجهها المواطن هي أن كل المواد التي ترتفع أسعارها مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية لا تنخفض بانخفاضه.
يقول ياسر الحسين (35 عاماً)، وهو عامل زراعي من ريف جرابلس، خلال جلسة مع أفراد عائلته: “نحن لا نفهم لماذا ترتفع أسعار المواد التي يكون مصدرها محلياً، فليس من المعقول أن ترتفع أسعار الخضروات التي ينتجها الفلاح في بلادنا، فلا علاقة بارتفاع الدولار أو انخفاضه بهذا النوع من المواد”.
أبو محمد وهو بائع خضار من مدينة منبج، في الثلاثينات من عمره يقول: “الموز لم يدخل منزلي منذ أشهر عدة، لم يعد بإمكاني شراء سوى كل ما هو أساسي، وقد لا أتمكن من شراء كل الأساسيات واعتبارها مواد ثانوية”. ويضيف: “حتى مصروف الأطفال ارتفع مع ارتفاع الأسعار، حيث كان الطفل يذهب إلى البائع لشراء قطعتي حلوى بمبلغ 10 ليرات. الآن لا تستطيع إعطاءه مبلغ 10 ليرات لأنه قد لا يستطيع شراء ما يريده وقد يرميها بوجهك”.
ويضيف أبو محمد: “في سوريا إذا ارتفع الدولار ترتفع الأسعار، ولكن إذا انخفض الدولار تبقى الأسعار محلقة في السماء”.
تشير تقارير اقتصادية إلى أن قرار واشنطن تسليح المعارضة كان سبباً أساسياً بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وقد أعلن المصرف المركزي السوري عن خطة لخفض سعر صرف الدولار إلى 150 ليرة بحلول عيد الفطر، وقد واجهت الحكومة في الأشهر الماضية صعوبات في ضخ الكميات اللازمة من الدولار في السوق لخفض سعر صرفه مقابل الليرة. ويسود المجتمع السوري التخوف من الاحتفاظ بالعملة السورية، وتتجه أعداد متزايدة من الناس في شتى المناطق السورية إلى شراء الدولار واليورو، وفي المناطق الحدودية، يتم التعامل بالدينار الأردني والليرة التركية، على الرغم من انخفاض قيمة الليرة التركية مؤخراً.
يقول رمضان محمد (23 عاماً)، وهو تاجر تبغ: “نصحني البعض بتبديل ما أملكه من عملة سورية إلى الليرة التركية، واقتنعت بالفكرة، لأنه إذا كان لدي اليوم مبلغ 100 ألف ليرة سورية فإنها تساوي 1000 ليرة تركية، ولكن إذا انخفضت الليرة السورية أكثر من ذلك فإن مبلغ الـ100 الف لن يساوي سوى 500 ليرة تركية.”
ويشكو الكثيرون من أن سبب ارتفاع الأسعار يعود إلى جشع التجار، إلا أن أسامة حمزة (28 عاماً) ، وهو تاجر يستورد عدة أنواع من البضائع من تركيا، يدحض هذه الاتهامات ويقول: “من الطبيعي أن يجر انخفاض الليرة أمام الدولار ارتفاعاً لأسعار السلع، كوننا نستورد البضاعة من تركيا بالدولار، وعندما نبيع من البديهي أن نربح لتستمر تجارتنا، ونحن حالياً نشتري الدولار بسعر مرتفع وعندما نبيع بالليرة السورية سيكون السعر مرتفعاً، وهذا ليس جشعاً من أحد أو استغلالاً، فارتفاع الدولار يجبرنا على البيع بسعر أعلى من السعر السابق.”
ولفت حمزة إلى أن “معظم معامل حلب انتقلت إلى تركيا، هذا أيضاً سبب لارتفاع الأسعار… وتكلفة القطعة التي كانت تنتج وتباع في سوريا أقل بكثير من تكلفة انتاجها في تركيا، وهذا يحتم على التجار بيع القطعة بسعر أعلى من السابق بأضعاف”.
وتتزايد الاتهامات ضد التجار بالتلاعب بالأسعار مع الغلاء الذي يطال المواد الغذائية مع بداية شهر رمضان.
ويقول علي الذي يعمل كموظف حكومي وهو في الثلاثينات من العمر: ” بغض النظر عن سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، إنها لعبة يلجأ إليها تجار السوق السوداء حالياً، والبعض يقوم بتخزين البضائع لرفع سعرها، وبيعها خلال الشهر الفضيل بأسعار عالية”.
ويتساءل علي: “من المسؤول عن ردع مثل هؤلاء التجار الذين يتكاثرون كالفطر، في ظل غياب الرقابة الصارمة على الأسعار، وانشغال الناس بتأمين رغيف خبزهم؟”.
المجالس المحلية التي أنشئت لإدارة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لا تملك أية آلية لضبط ارتفاع الأسعار، بحسب ما قال مصدر مقرّب من “مجلس محافظة حلب الحرة” رفض الكشف عن اسمه، معتبراً أن: “مجلس المحافظة أو المجالس المحلية بعيدة كل البعد عن النظر في هكذا مسائل”. وينتقد المصدر اختيار مسؤولي المكاتب بدون عملية انتخابية، حيث أن معظمهم ليس لديه الخبرة لإدارة مكتب صغير، فكيف سيكون الأمر في حال تسلمهم إدارة شؤون الناس في مدينة بأكملها، بحسب تعبيره.
بدوره، يقول مدير المكتب الاقتصادي في “مجلس محافظة حلب الحرة” عبد الملك الشيخ لـ”دماسكوس بيورو”: “بالنسبة لارتفاع الاسعار نحن لم نفعّل بعد مديرية التموين لمتابعة هذا الموضوع”.
ويضيف الشيخ: “نحن نفتقر فعلاً للخبرات ونعاني من عدم إقدام أصحاب الخبرات على التعاون معنا، كما أن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى قوة عسكرية تتبنى الدعم الميداني لتنفيذ قرارات المخالفات، ونحن الآن نعمل على التواصل مع بعض الجهات لتفعيل عمل هذه المديرية”.