خشبة مسرح صغيرة تعيد لأطفال إدلب طفولتهم
الأطفال يتابعون العروض فوق ركام المنازل المهدمة تصوير أسعد الأسعد
يحمل وليد أبو راشد عُدته الخشبية البسيطة، إلى حيث يمكنه أن يجمع أكبر عدد ممكن من الأطفال في شوارع مدينة سراقب. يتجمع حوله أبناء الحي حيث يُثَبت مسرحه المتواضع، ويبدأ بتقديم العروض للأطفال بغرض إخراجهم من أجواء الحرب التي يعيشونها.
وليد أبو راشد (26 عاماً)، بدأ بالتمثيل منذ العام 2008، حائز على جائزة أفضل ممثل في محافظة إدلب سنة 2011. وفي عام 2013 عمل مع فرقة “الكرفان السحري” كمتطوع، حيث ركزوا عروضهم في ريف اللاذقية و ريف إدلب المحرر.
أسّس وليد أبو راشد مسرح العرائس في بداية عام 2018، حيث أطلق عليه الأطفال اسم “مسرح الحارة”. ويتألف مسرح الحارة من خشبة مسرح بسيطة استطاع وليد صناعتها بنفسه بامكانيات بسيطة، اضافة الى الدمى التي يستخدمها في عروضه، ومسجل صوت يقوم باصطحابه معه في تقديم عروضه.
وعن تأسيس مسرح العرائس يقول أبو راشد: “أسست مسرح العرائس لعدة أسباب أهمها أنني أستهدف الأطفال من مواليد عام 2011 فما فوق، هذه الفئة من الأطفال لا ذنب لها، فأقوم بتقديم العروض لهم لإخراجهم من حالة الحرب التي يعيشونها”
ويلفت أبو راشد إلى أنه من خلال عروضه يقوم بطرح أسئلة للأطفال بطريقة كوميدية، فيقوم الطفل بديهياً بتقديم جواب لتلك الأسئلة في مخيلته. ويعتبر أبو راشد أنه يقوم بتعليم الأطفال بطريقة كوميدية، وهي طريقة يتفاعل الطفل معها بشكل أسرع.
يفتح أبو راشد لمجال للأطفال لمساعدته بتقديم عروض المسرح، وذلك لزيادة ثقة الأطفال بأنفسهم، ونزع الخوف من قلوبهم الصغيرة. ووضع أبو راشد برنامجاً لتقديم عروضه يتضمن كافة أحياء مدينة سراقب، وذلك لكي يضمن أن أغلب الأطفال في المدينة ستشاهد عروضه.
وعن الأماكن التي ينشط فيها يقول أبو راشد: “أقوم بتقديم عروضي المسرحية في أي مكان في الشمال السوري المحرر، عروضي لا تقتصر على مدينتي وأطفالها فقط. قمت بتقديم عروض في مناطق عدة منها مخيمات الشمال، ومخيمات ريف اللاذقية، ومناطق أخرى عديدة”.
أضاف أبو راشد لمسرح الحارة إختصاصات مسرحية أخرى يتقنها، منها مسرح خيال الظل، ومسرح محاكاة العقل. والجدير بالذكر أن هذه الأنواع من العروض تستخدم لأول مرة في الشمال السوري المحرر.
يختار أبو راشد مكان تقديم عروضه بعناية، ففي أوقات الهدوء يقوم بتقديم عروضه على أنقاض منازل قد تعرضت للقصف سابقاً. وعند تردي الحالة الأمنية واحتمال تعرض المدينة للقصف، يقوم باختيار ملاجئ تحت الأرض لحماية الأطفال من القصف الذي ممكن أن يطال المدينة في أي لحظة.
و عن سبب اختيار أنقاض المنازل لتقديم عروضه يجيب أبو راشد: “أختار أنقاض المنازل المدمرة لأنني أريد أن أوصل رسالة للعالم، وهي أننا رغم الألم و القصف والدمار نحب الحياة، ونقوم بتقديم عروض مسرحية على أنقاض منازلنا المدمرة”.
وعن أهمية تلك العروض التي يقدمها وليد أبو راشد يقول فواز أصلان الأستاذ المتخصص بالعلم الإجتماعي وهو ابن مدينة سراقب: “هذه العروض شيء رائع وممتاز من حيث
الهدف، ولكن تعترضه ظروف صعبة وأهمها الحالة الأمنية التي نعيشها من قصف ودمار وقتل”..
ويعتقد أصلان “أن وليد أبي راشد استطاع التغلب على تلك الظروف ولو بشكل جزئي، أهمية عمله تنبع من خلق جوٍّ مريح قدر الإمكان للأطفال، وإبعادهم ولو بشكل جزئي عن القهر والخوف والرعب الذي يعيشونه”.
محمد الخالد أحد أطفال مدينة سراقب تابع عرضاً لأبو راشد وترك أثراً في داخله، وهو عرض الأسد والفأر الذي تتلخص قصته بأن الشخص القوي لابد أن يحتاج الضعيف وبالعكس. وعن العرض قال الخالد: “هي مسرحيات مسلية و مضحكة و تعليمية في ذات الوقت، وقصة الفأر والأسد التي تدلنا على القوي والضعيف و ألّا نستهين بأي شخص ولو كان ضعيفاً فيمكن أن نحتاج مساعدته في يوم من الأيام”.
أهالي مدينة سراقب لا يخافون على أطفالهم بصحبة مسرحهم المتحرك، يقول حسام شلاش وهو أب لأحد الأطفال المتابعين لأبو راشد: “أنا لا أخاف على ولدي نهائياً عندما يكون مع وليد. فأنا أعلم أنه يهتم بهم وكأنهم أطفاله، ومتيقن أنه يسعى لحمايتهم في الملاجئ عند احتمال تعرض البلدة للقصف، إضافة الى أنه يمحي آثار القصف المتجددة في نفوسهم”.
وليد أبو راشد شاب اتخذ المسرح والفن للتعبير عن قضية هو مؤمن بها، وعمل واجتهد في سبيل إنجاح عمله الذي غير حياة الكثير من أطفال مدينته.