حدائق دير الزور تتحول إلى مقابر

  نشوان مرزوك

“الأرجوحة”… روايتك الوحيدة أيها الماغوط

اليوم ينام على كتفها من سقطوا على يد “سياف الزهور”

إحدى الحدائق في دير الزور وقد تحولت إلى مقبرة – فيسبوك – صفحة الصحافية لينا الجودي

بعد أن رفض كلٌ منهم أن يكون “عصفوراً أحدباً!”

هذا ما كتبته الصحافية لينا الجودي تعليقاً على صورة نشرتها على صفحتها على موقع فيسبوك، تظهر أرجوحة صدئة لكنها توحي بأنها ما زالت تهتز بالرغم من أن أحداً لا يجلس عليها أو يظهر بجانبها. إلتقطت هذه الصورة في حديقة عامة في مدينة دير الزور، شرقي سوريا، تنتشر فيها  قبور لأناس قضوا في القصف.

“منذ 45 يوماً وأهالي دير الزور يدفنون موتاهم ليلاً في الحدائق والبيوت،” يقول زياد عوّاد، أحد شباب تنسيقيات المدينة.

النصارى والمشتل والحميدية، كلها أسماء لحدائق عامة في المدينة تحولت من أماكن للإستجمام إلى مقابر يُدفن فيها الضحايا على عجل، بحسب ما يروي الديريّون، بسبب اشتداد أعمال القصف الذي غالباً ما يتهدّد المشيّعون أنفسهم.

يكمل عواد قائلاً: “كان هناك مقبرة لشهداء الثورة، وتم فيها دفن أول شهيد في دير الزور، “معاذ الركاض” الذي قضى في 6/6/2012، واستمر دفن الجثث فيها حتى اشتداد الحملة العسكرية الأخيرة على المدينة.”

شهد عواد بعض حوادث الموت بنفسه، حيث يروي أن شخصاً يدعى “ياسر الدخول” كان يقف أمام حديقة جامع العثمان بجانب بيته، ينظر مذهولاً إلى الجثامين المسجّاة، فأردته قذيفة هاون قتيلاً. الفسحة أمام بيت الدخول، كما حديقة جامع العثمان، أصبحت الآن مقبرة.

إحتدم الصراع منذ ثلاثة شهور بين الجيشين الحر والنظامي للسيطرة على المدينة وكان أبرز الأحداث العسكرية إعلان الجيش الحر عن السيطرة على مركز الهجّانة الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى إعلانه عن إسقاط طائرة ميغ في منتصف شهر آب/أغسطس الحالي.

إلا أن هجمات القوات النظامية لا تحصد فقط مقاتلي المعارضة، إذ يوقع القصف بالطيران عشرة أشخاص يومياً بين مقاتلين ومدنيين، بحسب مدير أحد المشافي الميدانية في المدينة، الذي رفض ذكر اسمه خوفاً من ملاحقة النظام له.

كانت هذه الحملات العسكرية في دير الزور قد بدأت في نهاية تموز/يوليو من العام الماضي، عندما وصل عدد المتظاهرين في الحركات الإحتجاجية التي بدأت في منتصف آذار/مارس من العام نفسه إلى أكثر من 300000، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وكانت وسائل الإعلام الموالية للنظام قد تناقلت في شهر آب/أغسطس من العام الماضي مقاطع فيديو قالت إنها تظهر “إرهابيين” يقتلون عنصر أمن ويقومون ببتر أعضائه.

حالياً، وكنتيجة لسقوط الضحايا المستمر، يتحدث بعض أهالي المنطقة عن اضطرارهم إلى ترك طقوس الدفن التي تناقلوها جيلاً بعد جيل.

“فقد الدفن معناه، حيث لم يعد بشكله المعتاد — كفن وقبر وشق ولحد — بل بدأنا ندفن أشلاء الضحايا في حفر وليس قبور،” يقول الناشط محمد جلال الأحمد.

يروي الأحمد أنّ تسعة أشخاص من عائلة واحدة قتلوا بنيران القوات النظامية في قرية محيمدية، فبادر الأهالي إلى دفن أشلاء موتاهم، لكن مروحية من جيش النظام بدأت باستهداف موكب التشييع  بالرشاشات الثقيلة، مما أجبرهم على دفن الجثث بشكل جماعي في حفرة كبيرة تم استحداثها بواسطة جرافة.

لا توجد إحصائيات تفيد بعدد القتلى الذين يدفنون في الأماكن العامة، ولا أي توثيق إعلامي أو حقوقي، وذلك لعدم وجود مختصين حقوقيين في المدينة أو أي تواصل مع المنظمات الحقوقية، ولأن الأمر غير ملح بالنسبة إلى الناشطين الذين يعطون الأولوية لمعالجة الجرحى.

 وفي ظل هذه الظروف المأساوية الراهنة، يصبح حلم البعض أن يحصلوا على قبر لأحبّتهم، يزورونه عندما يشتاقون إليهم.

“ستنتصر الثورة، رأيت هذا في عينيّ ابني،” تقول أم أحد الشهداء. “لكن أخاف أن لا أتعرّف على [قبر] إبني في كم التراب والخراب هذا، أريد أن أضع فوق قبره كل يوم عيد زهرة النرجس التي يحبها.”