حتى لا تضيع دار الكتب الوطنية في حلب
شادي عزام
لم يختلف شيء في التعاطي مع الإرث الحضاري في بلادنا عند اندلاع الحروب منذ تدمير دار الحكمة في بغداد على يد التتار وزوال آلاف الكتب، قبل سبعة قرون ونصف، وحتى اليوم. ها نحن في سنة 2012 وقد احترق الجامع الأموي الكبير وجزء من الأسواق القديمة في حلب، كما يتهدد خطر الدمار متحف معرة النعمان الذي يضم أكبر مجموعة فسيفساء في الشرق الأوسط.
قد ينتظر دار الكتب الوطنية في حلب مصير دار الحكمة نفسه إذا لم يتحرك أحد لدرء الخطر، بعد أن شهدت منطقتا باب الفرج وباب جنين المحيطتان بالدار اشتباكات بين الجيشين النظامي والحر.
هل يعقل أن ننتظر حتى نبكي على 100000 كتاب، منها مخطوطات نادرة مثل “صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي” للمؤرخ عمر طوسون، وهي تندثر؟ هل ننتظر حتى تتدمر هذه المكتبة التي شكلت جزءاً من حياة الآلاف على مر الأجيال؟
لقد كانت الدار حتى الأمس القريب، قبل أن يتفجّر القتال في حلب، منارة للمعرفة طوال 87 عاماً. فتحت ذراعيها لأبناء سوريا لينهلوا من العلم الذي تحويه ولم تبخل به على أحد. وفي السنوات الأخيرة تحولت الدار إلى محجة للطلاب الجامعيين الذين باتوا يعتمدون على مصادرها الورقية والإلكترونية في دراساتهم.
تحمل دار الكتب الوطنية تاريخاً عريقاً، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ المدينة. عام1937، وبرعاية الأمير مصطفى الشهابي الذي كان يشغل منصب محافظ حلب، إنتقلت الدار من خان الجمرك إلى مكانها الحالي بمنطقة باب الفرج مقابل الساعة الشهيرة وكان مسؤولاً عنها الشيخ كامل الغزي، الذي حمل معه 6000 كتاب من المقر القديم. تم الإنتهاء من بناء مقر المكتبة الجديد في عام 1939 لكنها لم تفتح أبوابها حتى عام 1945 بسبب الحرب العالمية الثانية، لتصبح مركزاً لبحوث المثقفين من أبناء حلب وشقيقة المكتبة الظاهرية في دمشق وهي من أقدم مكتبات بلاد الشام وأهمها. ولشغف أبناء حلب بالعلم، إعتاد مثقفوها تقديم الكتب إلى الدار إما في حياتهم أو بعد مماتهم.
تداور على إدارة دار الكتب أدباء ومفكرون أمثال الشاعر الكبير عمر أبو ريشة، الذي سميت إحدى قاعاتها باسمه فيما بعد، وسامي كيالي وعلي الزيبق. وطيلة تلك السنوات زارها وحاضر في قاعاتها الكثير من المفكرين والأدباء أمثال محمد حسنين هيكل وعباس محمود العقاد وميخائيل نعيمة.
المكتبة اليوم خالية من زوارها، يملؤها الصمت وتتأمل ألّا تلقى مصير الجامع الأموي الكبير. قبل أيام حصلت معارك بين الثوار وجيش النظام فأصيب زجاج نوافذها وكانت الأضرار بسيطة، ولكن قد تكون الأضرار أكبر بكثير في المستقبل إذا استمر القتال ولم يتم تحييدها. لا أحد قادر على حمايتها؛ من بقي من الموظفين داخل حلب لا يجرؤ على الحضور إلى عمله بسبب المواجهات المسلحة، أما الحرس فلا حول لهم ولا قوة، فهم، إن تجرؤوا على الحضور إلى مركز عملهم، لا يحملون سلاحاً.
قد يتساءل البعض إذا ما كان إنقاذ بعض الكتب أهم من إنقاذ حياة مئات الأشخاص الذين يقتلون كل يوم.
أقول للجميع إن هذه المكتبة هي ماضينا وحاضرنا؛ هي هويتنا كما الجامع الأموي وغيره من الصروح التراثية الوطنية.
وأقول أيضاً إن على الجيشين النظامي والحر مسؤولية تجنيبها الدمار؛ لن يتحقق انتصار أي منهما إذا تم إحراق المكتبة أو تدميرها.
فلتبتعد أيدي الدمار عن دار الكتب الوطنية.
الآراء الواردة في المقال تخص الكاتب وحده ولا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع التحريرية.