تنسيقية السويداء: “أنا طالب ومن حقي طالب”
زياد سالم*
ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء المتحدثين حفاظاً على سلامتهم الشخصية
لا يمكن لأي مراقب يحاول وصف الحراك السلمي في محافظة السويداء إلا أن يتوقف عند النشاطات التي تنظمها تنسيقية طلاب السويداء التي يعود تاريخ انطلاقها لنهاية العام 2011.
تشهد محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية والأقليّتين المسيحية والسنية، حملة “أنا طالب من حقي طالب” التي أطلقتها تنسيقية طلاب السويداء بتاريخ 28 نيسان/ أبريل، وانتهت بتاريخ 10 أيار/مايو، وتهدف إلى “ضخ الوعي بين صفوف الطلبة وتعريفهم بحقوقهم وبدورهم في صناعة المستقبل وحثهم على الثورة”، بحسب ما يوضح أحد أعضاء التنيسقية ويعرف عن نفسه باسم همام، ويضيف أن شعارات الحملة هي “رسالة محكمة ومحددة تكون غالبا ًمتفق عليها ويتم تجديدها وفق كل مرحلة من مراحل الحملة، عبر المناشير والملصقات واللافتات وفن الغرافيك على الجدران”.
هذه الحملة قارب عدد المدارس المشاركة فيها الخمس عشرة مدرسة في السويداء، من ضمنها كلية التربية وجامعة عُرَيْقة، امتدت حتى بلغت مدارس في ريف دمشق وحلب وكفر نبل. كما شارك فيها طلاب سوريون يدرسون في جامعات في ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا وبريطانيا، بحسب ما ذكر همام.
ويوضح همام أن الحملة تعتمد على المنشورات الموزعة واللافتات المصورة بشكل رئيسي، وتخلل الحملة تشويه صور الرئيس السوري بشار الأسد في العديد من المدارس، إلّا أن الحملة لم تشهد تظاهرات، على الأرجح بسبب تزامنها مع فترة امتحانات الطلاب.
استطاعت تنسيقية طلاب السويداء أن تكوّن حالة تنظيمية عالية بين أوساط الطلاب دون هيمنة أو إملاءات من أحد. وهي ساهمت في تسريع عملية تشكيل اتحاد الطلبة الأحرار، على غرار ما حدث في باقي المحافظات، ليكون بديلاً عن اتحاد الطلاب التابع للسلطة الحاكمة في دمشق، والذي تحول لأحد الأذرع الأمنية في قمع الثورة.
ورغم الضعف الشديد في الوسائل التقنية، تمكنت تنسيقية طلاب السويداء، من تقديم صورة إعلامية جذابة، وتكاد تكون من التنسيقيات القليلة التي يتواجد طاقمها الإعلامي في الداخل بشكل شبه كامل.
بالإضافة للحراك السلمي تميزت التنسيقية بحملات الغرافيك التي قامت بها أو شاركت فيها كحملة “ثورة إنسان من أجل الحياة وأسبوع المعتقل السوري”، وغيرها. كما أصدرت التنسيقية منذ بداياتها جريدة “ثلاثاء الحرية” التي كانت تصدر أسبوعياً وتوزع بشكل سري بعد طباعتها في منازل النشطاء، لكنها توقفت مؤخراً لأسباب مالية.
وتعتبر مدرسة شكيب أرسلان، من أبرز المدارس المشاركة في هذه الحملة. يعود تاريخ المدرسة التي تحمل اسم أحد أمراء جبل لبنان الأديب والشاعر شكيب أرسلان (1869- 1946) إلى خمسينات القرن الماضي، وتحوي ما يزيد عن الخمسمئة طالب وتقع في قلب مدينة السويداء على بعد خمسين متراً باتجاه الجنوب الشرقي من قصر أسمهان، المطربة السورية الشهيرة شقيقة الفنان فريد الأطرش، ذلك القصر الذي احتلته إحدى فرق الجيش بدايات عهد البعث وحولته إلى ثكنة عسكرية. وبعد انقلاب حافظ الأسد أحاطت بالمدرسة ثكنات الجيش والفروع الأمنية من كل الجهات.
انخرط طلاب مدرسة شكيب أرسلان بالاحتجاجات مشاركين باقي الفئات في المحافظة. كانوا يفتشون عن مظاهرات تحدث هنا وهناك في المدينة، أو في بلدتي شهبا والقرياّ القريبتين، وحتى أن بعضهم كان يمضي إلى العاصمة أو ريفها ليشارك في تشييع في بلدة برزة أو المعضمية، متذرعين بزيارة أقاربهم كما فعل الطالب نزار وبعض رفاقه.
عند الرصيف المقابل لباب المدرسة تتخذ دورية الأمن مقراً دائماً لها، ويمكن ملاحظة المخبرين حولها من كل الجهات رغم محاولاتهم للتنكر. كل هذا سببته بعض هتافات خرجت من حناجر طلاب مراهقين، هتفوا بأصواتهم التي ما زال فيها الكثير من الطفولة، للحرية في الباحات وقاعات الدرس كل يوم.
يقول أحد المدرسين الذي فضل عدم الكشف عن إسمه: “تكاد تكون هتافات طلاب المدرسة تقليداً شبه يومي، ما بث الجنون في عناصر الأجهزة الأمنية، وفي منتصف شهر أيار/ مايو جاءت كاميرا الإخبارية السورية لتصوير عدة مشاهد توحي بالاستقرار في مدرسة شكيب أرسلان، وتكذب الشائعات عن المظاهرات فيها، فما كان من الطلاب إلا أن استقبلوا الكاميرا بهتافات الثورة وطوقوها من كل الجهات، ما جعل طاقم التصوير يفر هاربا لتطارده هتافات الحرية واللعنات على الإعلام الكاذب”.
وفي يوم الخميس 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 ، نفذ طلاب مدرسة شكيب أرسلان اعتصاما مفتوحاً أمام مديرية التربية استمر لأيام وانضم إليهم طلاب من المدارس الأخرى مطالبين بالإفراج عن أحد أساتذتهم ويدعى أدهم مسعود مع عدد من زملائه الذين اعتقلوا إثر كمين قبل يومين من تاريخ الاعتصام. ووقعت خلال الاعتصام مواجهات إلا أن صمود الطلاب أجبر محافظ السويداء عاطف النداف على الحضور شخصياً لمحاولة التهدئة وفض الاعتصام، والتدخل للإفراج عن المعتقلين.
في نهاية الموسم الدراسي 2011 نفذ الطلاب أول اعتصام لهم أمام مديرية التربية في ساحة سلطان باشا الأطرش (قائد الثورة السورية الكبرى ضد الإنتداب الفرنسي عام 1925)، المطلة على مبنى قيادة الشرطة وقصر المحافظة، هذا المكان الذي أصبح يعرف باسم “فكي الأسد” في إشارة لخطورته، حسب وصف ناشطين. وجاء الإعتصام أمام المديرية، التي يفترض أن تكون مدافعاً عن الطلاب، ولكنها وبحسب ما قاله أحمد وهو والد أحد الطلبة “باتت مركزاً لمجموعات الشبيحة (في إشارة إلى العناصر الموالية للسلطة الحاكمة في دمشق) الذين يخرجون من المركز لقمع المظاهرات”.
ويستمر طلاب السويداء بحمل الجزء الأكبر من الحراك السلمي في المحافظة، وكان لهؤلاء الطلاب الحضور الأكبر في تشييع صلاح صادق الذي قضى جراء القصف على حلب أثناء توجهه للعمل الإغاثي هناك بتاريخ 2 كانون الثاني/ يناير2013. كما شاركوا في تشييع الطالب ناصر جمول الذي عُثر عليه مقتولا بعد خطفه في 23 شباط/ فبراير 2013، وكان المشيِّعون بالآلاف فلم تتمكن قوى الأمن من قمعهم، فشكلوا حالة شعبية جابت شوارع السويداء مطلقة عبارات الحرية في سمائها.
رغم أن حملة “أنا طالب من حقي طالب” لم تسفر عن اعتقالات حتى الآن بصفوف الطلاب، بحسب همام العضو في تنسيقية طلاب السويداء، إلّا أن مركز توثيق الانتهاكات في سوريا يشير على موقعه على شبكة الإنترنت إلى أن عدد المعتقلين في المحافظة منذ بداية الثورة بلغ الـ 404 معتقلاً حتى تاريخ كتابة هذه السطور، وتقدر نسبة الفئة العمرية الشبابية بنحو 40 بالمئة منهم وغالبية الشبان من الطلاب.
* زياد سالم هو اسم مستعار لصحافي يعيش داخل سوريا