تكرير النفط يدوياً: مهنة من لا مهنة له في دير الزور
أصبح استخراج النفط وتكريره عملاً حرفياً واسع الانتشار، ولكنها مهنة تنطوي على مخاطر جمة.
(البوليل، سوريا) – واثق الحمد شاب يبلغ من العمر 33 عاماً من بلدة البوليل شرقي محافظة دير الزور، يعيل عائلة مكونة من أربعة أشخاص. كان الحمد مساعداً في الجيش السوري الحكومي قبل أن ينشق في آب/ أغسطس 2012 لينضم إلى “الجيش الحر”. ولكن، مع تدهور الأوضاع المعيشية، وجد نفسه مضطراً إلى ترك القتال قبل نحو تسعة أشهر لإعالة أسرته. كان تكرير النفط بشكل يدويّ وجهته الأولى للعمل، وهي مهنة انتشرت بشكل واسع في المناطق النفطية السورية، ومنها محافظة دير الزور، إثر خسارة الحكومة السيطرة على معظم حقول النفط والغاز وتعطل المصافي الرسمية عن العمل.
وتستعر المعارك بين القوات الحكومية والفصائل المسلحة من جهة، وفي ما بين الفصائل نفسها من جهة أخرى، للسيطرة على منابع النفط. وكانت أبرز هذه المعارك تلك التي دارت بين القوات الحكومية و”الدولة الإسلامية” في تموز/ يوليو للسيطرة على حقل الشاعر الذي ينتج الغاز في ريف حمص، وتمكنت القوات الحكومية من الاحتفاظ بالحقل بعد قتال دموي.
يجني الحمد شهرياً قرابة 30 ألف ليرة سورية (حوالي 173 دولار أميركي) من خلال عمله في ورشة تكرير، تضم ثمانية عمال آخرين في بادية البوليل. وقد انتقلت السيطرة على هذه المنطقة مؤخراً من “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” إلى “الدولة الإسلامية”.
يشرح الحمد المهام المضنية التي عليه أن يؤديها لكسب قوت يومه. في الورشة التي يعمل بها، مثل الورش العديدة التي تنتشر في المناطق الصحراوية في دير الزور، يتولى كل عامل إدارة حراق واحد. آلة التكرير هذه هي خزان معدني مصنوع محلياً، وهو محكم الإغلاق وله فوهة كبيرة في الأعلى تستخدم لسكب النفط الخام داخله، وفوهة صغيرة من الأسفل تستخدم لتنظيفه. كما تخرج منه أنابيب معدنية، تعبر داخل حوض مياه ليتم تبريد المشتقات النفطية بداخلها وتكثيفها لتصبح سائلة. بعد ذلك، تتجه الأنابيب إلى خزانات صغيرة تصب فيها المشتقات النفطية التي تم فصلها عن المكونات الأخرى.
يقول الحمد: “بعد شراء النفط نقوم بترقيده بخزانات لمدة بضع ساعات ومن ثم نقوم بسكبه داخل الحراقات”.
يبدأ بعد ذلك العمل الشاق بإيقاد النار تحت الحراقات في حر الصحراء: “في البداية يجب أن تكون درجات الحرارة منخفضة لإنتاج البنزين، بعدها نحتاج إلى رفع درجة الحرارة ليتم فرز مادة الكاز… ثم نعاود رفع درجة الحرارة أكثر حتى تخرج مادة المازوت”.
يتفاوت سعر البراميل الواحد من النفط الخام، بحسب جودته، ما بين خمسة إلى سبعة آلاف ليرة سورية (من 29 إلى 40 دولار أميركي). وهناك نفط خام نوعيته رديئة جداً يستخدم كوقود، غالباً ما يكون سعر البرميل منه 1200 ليرة (حوالي سبعة دولارات أميركية).
عن الوقت المستهلك في التكرير، يقول الحمد: “غالباً ما يستغرق تكرير كل خمسة براميل نفط حوالي ثماني ساعات، ويتعلق ذلك مباشرة بنوعية النفط وجودته، فكلما ارتفعت جودته قل الوقت المستهلك في تكريره”.
بعد انتهاء التكرير يقوم الحمد وزملائه بعرض ما تم فرزه من بنزين وكاز ومازوت على التجار المتواجدين في المنطقة، وهنا أيضاً يتفاوت السعر حسب جودة المواد المكررة، التي يُحكم عليها من خلال اللون والرائحة.
بغياب تدابير وقائية أو أي نوع من الحماية الصحية في هذه الورش، تتعدى المصاعب الوقوف في الحر بجانب النيران. بالإضافة إلى تنشق الغازات المنبعثة من المزيج النفطي، يتعرض العمال لخطر الموت أو الإصابة جراء انفجار الحرّاق.
يقول الحمد: “دائماً، بعد عدة عمليات فرز، تتشكل مادة صلبة داخل الحراق وهي معدن الرصاص. علينا قص الحراق لاستخراجها، وأثناء القص يكون احتمال انفجار الحراق كبيراً جداً، وحصل مع الكثيرين أن انفجر الحراق بهم. وإن لم يودِ الانفجار بحياتهم، فهو يصيبهم إصابات بالغة، تتراوح من بتر الأعضاء إلى فقدان البصر”.
تتعرض مواقع الورش أو الأماكن القريبة منها أيضاً إلى القصف المتكرر من قبل القوات الحكومية، إما بالطيران الحربي أو بالمدفعية.
يقول الحمد إن الطائرات الحربية فصفت محيط الورشة التي يعمل فيها في شهر نيسان/ أبريل، ثم قصفت في حزيران/ يونيو تقاطع طرق لا يبعد عن الورشة سوى 100 متر. ويضيف: “هناك، كان يتجمهر العديد من عمال وتجار النفط، وأدى القصف لمقتل تاجر من مدينة البوكمال وحرق سيارته وكان هناك عدد كبير من الجرحى”.
العاملون في هذه المهنة كمن يسير في حقل ألغام، وهم يعون خطورة عملهم، ولكن مع غياب فرص العمل الأخرى في ظل استمرار الحرب، من غير المحتمل أن تشهد هذه المهنة انحساراً في المستقبل المنظور.